|


أحمد الحامد
اختلاف
2018-03-13

ابحث عن رقم هاتف صديقك الذي غبت عنه، وإن كان موجوداً في ذاكرة هاتفك  اتصل به والتقيه في أقرب فرصة، استحمل عتابه لك وتحمـل نظراته المتسائلة عن طول غياب. تمعن في وجهه وشاهد آثار الزمان عليه بعد سنوات الفراق والإهمال ستكتشف أن الذي غبت عنه ما زال يحمل وديعة أيامك في خزينة ماضيه.



وتأكد أنك ستلتقي مع أجزاء من أيامك وستعيد له حقاً احتفظت به لنفسك، لن تعودا كما كنتما، أشياء كثيرة تغيرت في رحلة الغياب وما فرقكما يشبه كثيراً المنعطف الذي جمعكما فطريق الرحلة لا يتوقف عن اختلاق المنعطفات ولا تحوّل القناعات ولا مراجعة الثوابت. الصداقة في الحياة لا تعني البحث عمن يشبهونك ولا الابتعاد عمن اكتشفت أنهم يختلفون عنك، فأنت لن تشبه إلا نفسك ولن يكمل استقرارك إلا من يحركه بالاختلاف عنك. 



بعد رحيل السنين ستكتشف أنك فرطت في جمال اختلافهم وتميل أحياناً إلى صحة اختلافهم وضرورته لا يمكن أن تجمع من حولك كل الألوان التي تشبهك. اللوحة ذات اللون الواحد مملة، وأجمل اللوحات من شكلتها ألوان مختلفة. الاختلاف هبة وقراءته فن والتمتع به ذكاء والاستفادة منه شطارة، أنت نفسك اختلفت كثيراً، هل تذكر نفسك جيداً؟



هل ما زلت تفعل ما كنت متحمساً لفعله أو التفكير فيه أو حتى الاقتناع به؟ 



لكنك تقبل نفسك دائماً، كذلك الصديق هو مختلف ويختلف دائماً أيضاً، تماماً كما ستشاهده في لقائك المتأخر معه من تغير على وجهه وعلى أفكاره وحماسته وكل اختلافاته، الأماكن تبقى في مواقعها طويلاً وتختلف لاحقاً من الخارج أو من الداخل أو الاثنين معاً، كذلك نحن، التقصير حاصل لكن الإصرار عليه خطيئة، من المحزن ألا تنتبه لابتعادك عمن شكلوا جزءاً منك إلا بعد فقدانهم، حينها ستدرك أي أثر تركه رحيل لون من لوحة حياتك. بعض الألوان تشكل جمالاً حاسماً، ولا شك أن بعضها مشتاق للعودة إلى اللوحة الآن. 



أقول لما كتبته لكم، سأبحث في هاتفي عن رقم أحدهم وسألتقي به، سأستعيد مشاهدة حركات يديه عند الحديث، وصمته المفاجئ ونصائحه التي يصر على إلقائها كممثل في مشهد درامي حزين، سأحرص على متابعة كل ذلك، آمل ألا يكون قد اختلف كثيراً.