|


طلال الحمود
نظرية المؤامرة
2018-03-04

حين يعتقد الفرد أن ما يتعرض له من مصائب، أمر من تدبير فرد أو مجموعة أفراد، ويلغي احتمالات الصدفة من حساباته، يبقى أسيرًا لنظرية المؤامرة التي تقوده لاحقًا إلى ربط نكباته بما يشابهها من نكبات، أصابت قبائل الأنكا في البيرو، وكثيرًا ما تسببت هذه النظرية في تحديد مصير بلدان بأكملها؛ لأن الحاكم كان أسيرًا لهذا النمط من التفكير.



المشكلة تخطت مرحلة السلوك الفردي لتصبح ظاهرة جماعية تحدد نظرة ملايين العرب لكثير من المشاكل في العالم، خاصة أن أجيالًا تربّت على فكرة المؤامرة التي تحاك من "الغرب" ضد الأمة؛ ما جعلنا نعتقد في سنين خلت أن "الغرب" أهمل خطر الصين وكوبا وكوريا الشمالية وتفرغ للتخطيط ونسج المؤامرات ضد العرب!



ومع مطلع التسعينيات، خرجت مجموعة من السيدات إلى أحد شوارع الرياض للمطالبة بقيادة المرأة للسيارة، ومع أن الحشد النسائي تفرق بعد وصول الشرطة، إلا أن نظرية المؤامرة "اشتغلت" من خلال توزيع منشورات في المدارس والجامعات، مضمونها أن السيدات المرفقة أسماؤهن في المنشور ينفذن أجندة غربية هدفها تدمير القيم والأخلاق، ولإثبات أنها مؤامرة قام كاتب المنشور بإدراج معلومات مغلوطة عن آباء وأزواج السيدات، وجاء في القائمة أن والد إحداهن "ماركسي" تخرج من جامعة كولورادو، ويعمل في أرامكو، ولا تسأل كيف أصبح ماركسيًّا! أما سيدة ثانية فزوجها طبيب "ماسوني"، يعمل في المستشفى التخصصي، وهذا الوصف يكفي لأن يصاب قارئ المنشور بالإغماء؛ لأنه للوهلة الأولى سيتذكر رأس "الإبرة" ورائحة "البنج" وأفلام تجارة الأعضاء!.



في الوسط الرياضي الحال أدهى وأمر، إذ توجه نظرية المؤامرة الشارع وتصنع الاحتقان والتعصب؛ لأن جميع الأندية تعاني مصاعب إدارية ومالية بسبب التآمر عليها من اتحاد كرة القدم وهيئة الرياضة والاتحادين الآسيوي والدولي، خاصة أن مسؤولي الأندية فعلوا كل شيء ولم يحصدوا شيئًا!.



نظرية المؤامرة بضاعة رخيصة يبيعها المدلسون في سوق الخردة ومعظم مستهلكيها من البسطاء محدودي المعرفة والقدرة على التفكير، بينما يدرك العقلاء أن للمؤامرة حدودًا وأدلة تكشف وجودها وتبرهن ضررها، ولو أنهم وضعوها الاحتمال الوحيد دائمًا لما استطاعوا التفكير والتعامل مع الحوادث العرضية من مصاعب ونكبات.