|


أحمد الحامد
الصراع مع الخيال
2018-02-22

صمدت الإذاعة لأنها صوت الإنسان لا صناعته، المصنوع يتطور ويتغير ويندثر، من طبيعة الإنسان حاجته إلى الاستماع إلى صوت الآخر، الصوت الذي يتفق ويختلف معك، الذي يسعدك ويضحكك ويغضبك ويبكيك.



في الثلاثينيات انطلق صوت الإذاعة وتمدَّد وجال عبر الموجات، وصل إلى المدن والقرى، ناقلًا كل ما هو صادق.. وكاذب، ومليء بكل ما هو ثمين وفارغ. تكمن الصعوبة في هذا الجهاز أن مستمعه لا يرى، وعلى المتكلم داخله أن يصور له المشاهد من خلال حاسة واحده فقط، دون كاميرا وإضاءة وديكور.



استطاعت التقنية أن تلغي الكثير من الوسائل، وجابهت الإذاعة وواجهتها وقالت لها: إن هذا الزمن هو زمن الصورة لا زمن الصوت. استطاعت التقنية إشعال الفتنة وأطلقت الأضواء نحو وسائل أخرى ونجحت نجاحًا مدهشًا، لكنها لم تستطع هزيمة صوت الإنسان، الصوت الذي يأتيك من بعيد دون رسم صورة محددة، بل يترك لك حرية الخيال والتصور لكل ما تسمع، الخيال عملاق من دخان لن تستطيع التقنية القبض عليه أو تجاوزه.



ـ الصمود هو تفاصيل المعاناة وآلامها، وليس الكلمات التي يرويها الراوي للمستمعين الذين يُخيَّل لبعضهم أنهم سينجحون في تجاوز التجربة فيما لو خاضوها.