|


أحمد الحامد
أوقف كل شيء الآن
2018-02-08

 



 



لماذا لم تحضن يداي يدي والدي، لماذا لم أضمه إلى صدري في كل مرة كنت ألتقيه..؟ ما الذي أبعدني عنه أيامًا وشهورًا وسنينَ..؟ لماذا لم أرافقه حيثما ذهب وأينما كان..؟ ما الذي كنت أفعله بعيدًا عنه.. ما الذي كان يستحق كل هذه الغيابات؟ 



أذكر تفاصيل وجهه ونظراته.. وابتساماته والعروق التي برزت من يديه، أذكر إطلالته وهو عائد إلى البيت، أراه الآن يمسح بالماء آثار الطعام على فمي، أشعر بذلك.. أجلس معه الآن في مقعد السيارة الأمامي وأسمع ضحكاته على براءة أحاديثي.. أحاديث الأطفال.. الأطفال الذين يكبرون ويمضون نحو بريق الأنوار البعيدة.. محاولين التقاطها.. يمشون طويلًا ولا يصلون.. وإن وصلوا وعادوا.. يكون كل شيء قد تغيَّر.. والنور الذي بين أيديهم قد انطفأ.



والدي.. أسطورتي التي فقدتها.. وعجزت عن تصديق رحيلها.. الرحيل الذي أورثني الصمت الطويل.. والنظر إلى اللا شيء.. الرحيل الذي جعلني أرى أبنائي بعينيه.. مثلهم كنت أفعل عندما كنت صغيرًا.. هذه حماقاتي التي صبر عليها طويلًا، هذا صخبي.. 



وذاك هدوءه.. هذه أنانيتي وذاك عطاؤه، عندما كنت أشاهد ابني الصغير يتعلم على أولى خطواته.. سألت نفسي المتشوقة: متى تمضي السنين وأراه فتيًا؟.. ومضت السنين.. ورأيته.. لكن ذلك كان على حساب سنين أبي!! لم أعلم بشروط أمنيتي.. ولو علمت لطلبت من الزمن أن يتوقف. إلى كل مَن يستطيع أن يرى أباه.. اترك كل شيء الآن واذهب إليه واحضنه.