|


-
حكايا الجدات !
-
2017-12-11

 

 

يصادف شهر مايو المقبل مرور 70 عاماً على دخول العرب إلى أول معركة جماعية ضد إسرائيل دفاعاً عن الشعب الفلسطيني، ومنذ تلك الأحداث الرهيبة باتت "فلسطين" أكبر قضية في التاريخ تتعرض للمتاجرة وتستخدم في تصفية الحسابات، وكثيرا ما استخدمها بعض الفلسطينيين من أصحاب المصالح ومعهم بعض الأنظمة العربية الموتورة، لتحقيق مكاسب مالية أو سياسية، دون النظر إلى معاناة أهل القضية الحقيقيين تحت الاحتلال.. ويحسب على بعض الفصائل الفلسطينية منذ الستينات التعامل مع القضية كـ" منجم ذهب" لا ينضب إلا بانتهاء الصراع وعودة كامل التراب إلى أهله، ما أجهض محاولات جدية لإقرار السلام في فلسطين ومنها مفاوضات "كامب ديفيد" وورقة "فاس"!.

 

المتاجرة بقضية فلسطين أخذت بعداً جديداً، بعدما دخل بعض الإعلاميين إلى هذه السوق للتربح وجني الدولارات، من خلال إقحام "الأقصى" في الخلافات العربية، وتحريك الشارع الفلسطيني لصالح من يدفع أكثر.. ومن هؤلاء بعض مذيعي قناة "الجزيرة" الذين باعوا قضية أهلهم في الداخل الفلسطيني لمصلحة تنظيم "الحمدين" المشبوه، حتى باتت السعودية ومصر هدفاً لحملات "غريبة" يشنها بعض متربحي القناة القطرية من أبناء فلسطين الذين يعرفون أكثر من غيرهم عن مواقف الرياض والقاهرة.

 

من بين هؤلاء المتربحين المذيع جمال ريان الذي يقود المقاومة ضد إسرائيل من "سوق واقف"، على بعد أمتار من مكتب التمثيل التجاري الإسرائيلي في الدوحة، وربما اكتشف هذا المذيع متأخراً أن  المتاجرة بـ"القضية" مربح مالياً، حتى لو كان الثمن الإساءة للعلاقة المصيرية بين أهل فلسطين والأشقاء العرب، ما يفسر حماسته في الإساءة للسعودية ومصر والإمارات، دون التفكير في مصلحة القضية الفلسطينية التي بدأ يقتات عليها ويبيعها في كل يوم لمن يدفع أكثر!.

 

هذا الريان وأمثاله، يناضلون مرة عن القدس "العربية" من خلال أقوال جورج حبش وعزمي بشارة، ويخلطون "الزيت بالماء" إرضاء لإسرائيل، ومرة ثانية يناضلون عن القدس "الإسلامية" من خلال "قال الله، وقال الرسول" ويخلطون بين آيات القرآن وتخاريف الخميني وخامنئي، إرضاء لـ"شريفة" وأهلها!.. وربما تحولوا مستقبلاً للنضال عن القدس "الآسيوية" إرضاءَ للزعيم الكوري الشمالي وعقيدته "التدميرية"!.

 

المذيع المتربح ورفاقه يطالبون تارة بقطع إمدادات النفط عن أميركا، ولا يهم أن يموت العرب جوعاً مع أهلهم في الداخل الفلسطيني، وتارة يطالبون "العرب" بإعلان الجهاد المقدس للهجوم على إسرائيل و"ضربها بالخلاط حتى تستغيث"، على طريقة أفلام يوسف شاهين التي وحد فيها الكردي المسلم، والعربي المسيحي، تحت راية الجهاد العربي، وفي المقابل يتجنب ريان ورفقته الصالحة الحديث عن شرعية الجهاد لتحرير القدس ومصدرها، لأنهم لا يريدون الاعتراف بأن القضية إسلامية وتشريعات الجهاد فيها موجودة في القرآن وليست في قصائد محمود درويش، حتى لا يسيئوا إلى مقام صاحب العطوفة السلطان أردوغان وبابه العالي، لأن عطوفته يمتلك أكبر جيش في أوروبا، ويعتبر نفسه حامياً للإسلام والمسلمين، ومع ذلك يقيم علاقات وطيدة مع إسرائيل، ويتعاون معها عسكرياً واقتصادياً، بل وينعم على الدول الراغبة في الدخول إلى "حوزة نتنياهو" بالتزكية، وهو الشرف الذي بحثت عنه قطر حتى نالته بمساعدة من عطوفته!. 

 

ولو افترضنا حسن النية بتغريدات ريان المقتبسة من "حكايا الجدات"، وأنه عربي همه الأول بقاء القدس "عربية"، فالأجدر به أن يتبرأ من قطر وعلاقتها المشبوهة مع إيران التي تعيث بالعالم العربي فساداً، وأن يوجه عباراته إلى "شريفة" التي أرسلت صواريخها نحو "مكة"، ولكن للأسف لا تبدو النوايا سليمة، حين باع هذا الريان ورفاقه الكرامة والشرف والأهل والوطن مقابل حفنة من الدولارات، خاصة أن الإساءة للسعودية والإمارات ومصر صادفت هوى في قلوبهم!.

 

ستبقى فلسطين في قلوب العرب، وسيستمر همهما أكبر همومهم، لكن هذه المشاعر ربما تذبل مستقبلاً، بعدما تعرضت لحملة لا نعلم مدى تأثيرها حتى الآن، لاعتبار أن مصلحة القضية الفلسطينية تتعارض مع الدخول طرفاً في الصراعات العربية، أو استخدام اسم القضية لتصفية الحسابات والإساءة لطرف على حساب آخر، ويبقى دور العقلاء في الشارع الفلسطيني بإيقاف ريان وتجار القضية من أمثاله عند حدهم، حتى لا تتوقف علاقة العرب بفلسطين عند قول الشاعر: "وقد ينبت المرعى على دِمن الثرى.. وتبقى حزازات النفوس كما هي".