|


No Author
قم يا (أبو عدنان) - فهد بن علي
2017-08-13

تفشّى نبأ إصابة العملاق عبد الحسين عبد الرضا لجلطة على سرير أبيض في لندن، أخرجت بعدها هاتفي لأدوّن بملاحظاتي جملة واحدة: "قم يا أبو عدنان". هكذا رسّخت نيتي حتى يكون عنوان أمنيتي أو مقالي القادم، بعد فاجعة رحيله لا أعارض قدر الله، لكنني سوف أتشبّث في العنوان كأمنية طفولية وددت تحققها، قم يا "أبو عدنان". قم، لن أستبدل انهض بدلاً من قم، لأنك يا "حسينوه" سكنت مع البيوت التي سكنتها أسرنا قبل مجيء معظمنا إلى الحياة، وكل دروبنا تستلطف نزقك لا "درب الزلق" وحده، تزهى بك "قم"، مفردتنا الشعبية الضاجة بالحميمية.

 

توعّك عبدالحسين صاحب معه توعّك ضحكتنا الخليجية، أذكر جيّداً وجوه من يحملون عداءً غرائبياً نحو المسلسلات والمسارح، كيف تسمّروا أمام التلفاز يوماً مقهقهين مع عبدالحسين، اختلفت ثقافتهم ومعارفهم، تنوعوا أطيافًا وتباينوا طبقات اجتماعية، لكنهم اتحدوا جماعيًّا على ظرافة تعابير وجه الراحل. فقد عرفوا بفطنتهم الإنسانية أن الفنانين يمثّلون لأجل أنفسهم، أمّا أبو عدنان فكان يمثّل لأجلنا، لأجلنا. قبل نصف عام درست مادة "مسرح" في أمريكا، حينها طلب المحاضر مسرحية واحدة لكل طالب يستفيض بالحديث عنها نقدياً ويعرض جزءًا منها، وقتها ما ملكت مساحة للاختيار، ذاكرتي الزاخرة بوجوه أعمامي وأقاربي الدائبة على إخراج ضحكاتهم الصادقة أمام وجه "عبدالحسين"، الذي ما إن يملأ الشاشة حتى يملأنا حبوراً، كيف أخون كل ذلك؟ اخترت مسرحية "باي باي لندن". 

 

ومن الآن ربما سأشعر بوخز الغّصة حيال مشهد أفتعله هرباً من جدّية الحياة، إذ وجود القليل للمطاعم العربية ـ الرديئة غالبًا ـ والمتناثرة بالمدن الأمريكية، أذهب إلى أحدها مع صديقي نستجيب إلى شوق جوعنا "للكبسة"، وأبدأ دائماً مع الصديق نقد جودة المطعم، مستحضرين مشهد "غلام" الشهير، يقول أحدنا: "هذا لحم مال تشلب"، كـ"حسينوه"، يردّ الآخر ساخطًا: "قصّر حسّك لا تفضحنا". 

 

ضحكتنا الأكبر وقفت على ناصية الأفول وتعطّلت قبل البارحة، وداعًا أيها الهرم.. وعلى روحك الرحمات.