|


فهد علي
الحكاية طويلة يا (نيو أورلينز)
2017-11-21

 

 

 

مدينة أمريكية لا تنام على ذراع نهر "المسيسيبي" وحسب، إنها تنتصب حوله مذعورة وتستودع عمرها القادم عند الخوف والقلق والأرق المستمر، هي مدينة "نيو أورلينز" التي حاولت شخصيًّا نبش بعض من تاريخها في القراءة عن النقاط الرئيسة والعريضة حول تقلّباتها وأحوالها، لكن ذلك ما كان كافيًا، مما اضطرني إلى الذهاب بجسدي حتى أنال فرصة تفحّصها بعيني، تبلغ من الأهمية الذروة إلا أنه نسيها الجميع، مدينة كانت بيد الاستعمار الفرنسي، أوتي بحشد من العبيد عبر إفريقيا، وكان صوت الأغلال ووجه الهزيمة عارًا يريدون عبر حاضرهم التخلّص من ذكراه..

 

لذا بدلًا من الأغلال والقيود اختارت عبر حاناتها وملاهيها الليلة أن تكون أكثر انعتاقًا وانحلالًا من المدن الأخرى، وتحاول أن تمارس الفرح بصورة غير نمطية، لا تتسع المساحة للحديث إسهابًا حول أرصفتها الحجرية، وما تبثه من إيحاء في نفوس المارة على عراقة المكان وقدمه، وعن كونها أرضًا خصبة للفنون وأصالتها، ولن أميل بكلماتي لأبنيتها ذات الهيكل الفرنسي في التصميم..

 

ولا مساحة أيضًا عن ذكر المرات التي ضربتها الفيضانات مما جعلها مدينة متأهبة للتلف، وتعرف مشاعر القلق جيدًا، كل ما سأعرّج عليه هو صوت أغاني "الجاز"، عبر بوق نحاسي كبير تنبعث منه موجات صوتية عبر إيقاع معين، وربما تساءلت نفوس المنصتين إلى عوالم الموسيقى عن هذا اللون الغنائي، كان العبيد في أعمالهم يطلقون تلك الصرخات الممتدة، يغنون بتوق للحرية ونسيان مصيرهم، مما جعل هذا الشكل من الغناء ينال القبول، ويمتد إلى أقصى مكان في العالم..

 

من المدهش أن يكون الغناء محاكاة للنفوس، إن "الجاز" في مدينة صنعت انعطافًا في التاريخ لاحتضانها الإسبان والفرنسيين والأمريكيين والأفارقة قد أحدثت فرقًا في وجه العالم، ثم ذهبت كمكان نحو النسيان، وإن حكايتها طويلة.