|


-
الماضي لم يمت!
-
2017-11-05

 

 

من أكثر الأخبار تداولاً لأكثر من 30 عاماً في الإعلام السعودي، تلك التي تفيد بتشكيل لجنة للنظر في قضية معينة، حتى امتد الأمر ليصل إلى القطاع الرياضي، الذي أفرط في هذا الإجراء بمناسبة وبدونها، بل بلغ مرحلة تشكيل لجان لتقصي الحقائق والكشف عن الفساد برئاسة وعضوية موظفي الجهاز الرياضي نفسه، دون الالتفات إلى أن الشرطة في خدمة الشعب ومعها الجهات الرقابية والقضائية.

 

في زمن اللجان تغيب النتائج، وتضيع الحقيقة، وتستمر المشكلة، كما حدث في قضية نادي الاتحاد واللجنة التي تم تشكيلها من أعضاء النادي لتقصي حقيقة الفساد المالي في إدارات كان بعضهم عضواً فيها.. ونادراً ما استعان الجهاز الرياضي الرسمي بالجهات ذات الاختصاص لحل مشكلة في أحد الأندية، ربما كان هذا جهلاً إدارياً أو خوفاً من دخول الجهات الرقابية، خاصة أن هذه الأخيرة تبدو كضيف ثقيل يصعب التخلص منه أو حتى عدم التعاون معه.

 

وخلال الشهر الماضي اتخذ رئيس هيئة الرياضة تركي آل الشيخ قراراً مهماً، من خلال إحالة ملف التجاوزات المالية في نادي الاتحاد إلى هيئة الرقابة والتحقيق، وهو جهاز أسسته الدولة لحماية الجهات التابعة لها من الفساد بكافة أشكاله.. ويحسب لتركي آل الشيخ إدراكه منذ البداية أن مهمة هيئته ليست التحقيق في قضايا الفساد، ولا تضييع وقت العاملين معه بمهام لا يمتلكون الخبرة ولا الصلاحية للتعامل معها، خاصة أن الدولة تمتلك من القوة ما يكفي لتعقب الفاسدين.

 

وتستعيد الذاكرة السعودية أحياناً قضايا "غريبة" أثارت الجدل ثم اختفت دون الكشف عن تفاصيلها، ومن هذه كانت قضية بيع حقوق البث التليفزيوني لمباريات الأندية والمنتخبات الوطنية، ودور الاتحاد السعودي في التوقيع على اتفاقيات حالت دون السعوديين ومشاهدة علم بلادهم في المحافل القارية والعالمية، ويكفي دليلاً الاهتمام المحدود للقناة "صاحبة الحقوق" عقب تأهل المنتخب السعودي إلى نهائيات كأس العالم 2018.

 

اللافت في تلك الفترة أن حقوق بث المناسبات القارية والعالمية للمنتخبات والأندية ومعها الدوري المحلي، كانت بحوزة شبكة art ثم باعتها إلى قنوات الجزيرة بموجب العقود المبرمة، وربما تقوم هذه القناة القطرية ببيعها لاحقاً إلى التليفزيون الإسرائيلي، لأن حقوق "الأخضر" باتت بضاعة تباع وتشترى، علماً بأن هناك من سعى في الأرض لينذر الناس من غضب الاتحاد الآسيوي في حال عدم الانصياع لرغبته، ومنح قنوات الجزيرة كامل المساحة للسيطرة على الحقوق!.

 

ولأن من يحذرون كانوا من أبناء جلدتنا وبعضهم كان مسؤولا عن تسويق الحقوق في الاتحاد الآسيوي، صدّقنا أن الحل الوحيد للحصول على الحقوق هو التفاوض مع قنوات الجزيرة التي أصبحت وكيلاً للتوزيع ومحتكراً لها في الوقت نفسه، بينما في إيران الواقعة في إقليم غرب آسيا أيضاً، رفض المسؤولون مجرد الاعتراف بحق الجزيرة في ممارسة أي نشاط داخل أراضيها، بل وعدم السماح لسيارات الشركة المنتجة بالدخول إلى إيران، قبل أن يتفاوض التليفزيون الإيراني مباشرة مع شركة WSG التي تتولى تسويق بطولات الاتحاد الآسيوي.. 

 

الأمر نفسه حدث في تايلاند، وتكرر في حقوق البث لمباريات كأس العالم، بينما في السعودية صاحبة أكبر سوق إعلانية في غرب آسيا يتم بيع الحقوق فيها تمهيداً لاقتسام العائدات مع الأندية القادمة من بلدان لا إعلانات ولا معلنين فيها.ولعل البعض يلتمس العذر لمن اتخذوا قرارات قادت إلى الوقوع في قبضة "حمد" الإعلامية، بحجة أنهم لم يكونوا على علم بما سيحدث لاحقاً،

 

 وهذا عذر أقبح من ذنب، لأن قائمة ضيوف قناة الجزيرة منذ عام 1996 تغص بعشرات الأشخاص المطلوبين في السعودية وخارجها، ومعهم مئات المسيئين من العرب والأجانب، ولا يتغافل مسؤول عن إساءات قناة الجزيرة إلا مغفل أو صاحب مصلحة!.

 

الماضي لم يمت، والجرائم لا تسقط بالتقادم، هكذا يبدو لنا العهد الجديد في السعودية عموماً، وقطاع الرياضة خاصة، وهو توجه استراتيجي تحتاجه المرحلة المقبلة للحد من الفساد وتأثير الفاسدين على تنفيذ مشاريع مهمة تعتزم السعودية تنفيذها بالتعاون مع شركاء ينتمون إلى بلدان متقدمة في مكافحة الفساد.