|


فهد علي
الإنسان السعودي الفنان
2017-09-17

 

 

 

بينما تقف الطوابير الطويلة في القاهرة؛ لتبتاع تذكرة حفلة للسيدة أم كلثوم، "يتربّع" بشير حمد شنان حاملاً معه العود، ليقذف مشاعره التي قتلها القحط كالصحاري التي تحيطه، ببدائية يخرج آلة العود من حجرته الصغيرة يهتف لأصدقائه، أحدهم يأتي "بالمرواس"، الآخر "بالكمنجة". 

 

وأظن أني قد أهدرت شخصيًّا الكثير من وقتي في الحرص على الاستماع للأغاني الشعبية العربية، أمثال أغاني زياد الرحباني وجوزيف حرب في لبنان، والثنائي الشيخ أمام وأحمد فؤاد نجم في مصر. وهمّشت بسذاجة الإنسان السعودي بإمكانياته الفقيرة والعاجزة، رغم أنه نجح في القفز بوجه المجتمع ليعبّر عن مكنونات الشخصية البدوية الممتلئة بالضيق والمنزعجة من التجاوزات والقيود الاجتماعية التي فُرضت عليها. 

 

ما علينا الفخر به أن هنالك في الشمال يغنّي "عبد الله السالم"، وفي الجنوب يكتب الشعر "علي القحطاني"، وفي الشرق يقبض على ريشة العود "عيسى الأحسائي"، وفي نجد يغنّي "بشير حمد شنان"، وبالأعلى في القصيم يصرخ "عبد الله الصريخ"، خارطة جغرافيا الوطن تتشكل بأذهاننا عبر الفن الشعبي. بالكلمة البسيطة الزاخرة جمالاً يترنّم "حمد الطيار" ليقول: "لفيت بالدنيا طريدٍ وملحوق // تركض ورا اللاهي وساقٍ لحا ساق". إن "بيت شعري" بمعية موسيقى وصوت رخيم، يرصد مرحلة التيه الموحشة وينغمس في وجدان الذاكرة طويلاً. 

 

أولئك الذين لا يملكون ريشة فان غوخ ولا كتب نيتشه استطاعوا أن يقدموا لنا فنًّا صادقًا، يخرج من ذوات خالية من الافتعال، بات جزاؤهم جميعًا أن يعيشوا فقراء رغم ملئهم لمشاعرنا، ويموتوا مُعدمين ومساءات بلادنا بعدهم غنيّة بأصداء حناجرهم التي لا تموت.

 

عقوق مؤسسات الإنتاج الفنّي لا يعني منّا أن نعق منبتنا الأول، لبنتنا الأولى، من أخرجوا "أعوادهم" من الدواليب ليجلسوا ببساطة فيكرموا فقرنا ولهفتنا، بسماع ما يجعل النفس تتنهد وتبتسم وترقص فرحًا وبكاءً!