|


فهد علي
كائنات (الراب)
2017-10-12

 

 

 

قبيل شهور قليلة قرأت الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ولا أعرف كيف استطاعوا صياغة بنوده بروح تحفّزك على جعلك إنساناً حضارياً، يكاد يحترم حتى الفراشات ولحاء الشجر وصوت الكلاب ـ أعزكم الله ـ وقوارير المياه الفارغة. وكلّما حادثني صديقاً عن "الراب السعودي" أشعر أنها محاولة جادة منّه لإخراجي من الجو الحضاري الذي اتخّذته على نفسي بصرامة في احترام الآخر وقبوله، لأني أتصور لو كان بيان حقوق الإنسان بيدي بينما يغني شاب ما الراب أمامي أُفضّل الموت بسكتة قلبية دفاعاً وذوداً منّي عن حياض الإنسانية والحرّية وإلا سوف يرتطم البيان بالمغني، 

 

وذلك سوف ينكث بمبادئي ولن يجعلني إنساناً حضارياً والعياذ بالله. تخيّل بالبلاد التي أنجبت "طلال مداح" و"محمد عبده"، يحضر فيها صوت شاب يدلق ويصب السباب والشتائم، مرتكزاً على السجع، وبمجرد نزول الأغنية في "اليوتيوب" تحصد في الأسبوع الأولى على مليون متابع من الكائنات البشرية التي تعيش بيننا، هذا التراجع السمعي يحط من قيمة الحواس، وربما ولله الحمد الضر يلحق بتجارة بيع الأعضاء البشرية إذ ماذا ينتظر الناس من الأذن أو طبلة الأذن أو حتى الأعضاء التي تمكّنه العيش فوق كوكب مثل هذا؟ غير السماع لأولئك البشر. 

 

الطريف في الأمر ومن مبدأ السلامة أن الملايين من العاشقين للراب لن يقرأوا مقالي ولا أيّة مقالة أو تقرير ما ينتقدهم، بسبب خلو الكلمات من الإيقاع الموسيقي المترجرج، فدماؤهم وخلاياهم وحياتهم داخل أنفسهم وخارجها غير قابلة إلا للاهتزاز المعبّر عن انفعالاتهم الصبيانة التي تعيش وتتغذى على رتم أغاني الراب المضطربة. 

 

وفي ظني تخلّف الفن الشعبي وتراجعه أعطى حيزاً لـ"الراب" مؤمّلين على عودته ـ أي الفن الشعبي ـ من قبل أسماء جديدة تجعل من "بشير شنان" و"فهد بن سعيد" قدوة لها بدلاً من صوت مغني الراب الذي نتاجه البالغ من السوء الفني والأخلاقي والأدبي يبعث لنا عن رغبة الأفول عن هذا الوجود وتركه لهم أو على خرق مبادئ حقوق الإنسان.