|


بندر الدوخي
قيود أم تجديد
2010-08-28
بعد أحد عشر شهراً من العادات اليومية المتشابهة في نمطيتها وطعمها يأتي رمضان شهراً متميزاً بأنه كسر للعادات اليومية المملة في حياتنا.
ـ فهو عند المتزنين في عاداتهم اليومية نوع من التجديد.
ـ وعند المبالغين في عاداتهم اليومية نوع من الضبط أو التمرد على هذه العادات.
ـ وعند المسرفين في عاداتهم اليومية قيد على حرياتهم وإرادتهم في الحياة.
ـ وعند المرضى بالإفراط رحمة إلهيّة.
ـ كل هذا ورمضان واحد.
ـ فالمدخن الذي يمنع عن دخينته "سيجارته" طيلة نهار الصوم – إذا كان ضعيف الإرادة واليقين – يعد هذا تدخلا في شؤونه الخاصة.. وقيداً على حريته الشخصية.. ولكن أن يقول له الطبيب إنك مريض.. أو مهدد بالمرض بسبب تعاطي السجائر.. ويحس بالخطر.. يترك السجائر فوراً دون حاجة لدخول شهر الصوم.
ـ والذي يعد الصوم قيداً على وجباته الغذائية اليومية وما بينها من عصائر وفطائر وشاي في البيت والمكتب والشارع.. ألا يرتجف عندما يقول له الناس إنك تضخمت على ملابسك ولم يعد منظرك كما كان.. ألا ينزعج حرصاً على الشكل – الديكور – ويتجه إلى الصوم بإرادته.. وبصورة قد تكون قاسية ومضحكة.
ـ ألا يحدث أن أحدنا يشكو حالة صحية.. فيذهب إلى طبيبه.. فيأخذ الدواء وأحيانا معه بعض النصائح بتجنب أنواع من الأطعمة والأشربة.. وقد يكون بينها ما يحبه ولا يعتقد أنه يستغني عنه.. ومع ذلك يقتدي بتعليمات الطبيب عن قناعة وطيب خاطر.. وقد يتجنب هذه الممنوعات الطبية مدى الحياة حرصاً على صحته.. أليس مضحكاً أن يثق في الطبيب.. ويتمرد على خالقه وخالق الطبيب.
ـ والتلميذ أو الموظف الذي يعد ليل رمضان مجال سهر إما للفسحة أو الرياضة.. أو التزاور وما شابه.. ويواصل السهر إلى ما بعد السحور – أي على حدود الساعة السادسة صباحاً – هل يكفيه نوم ساعتين أو ثلاث ليستيقظ ويكون في كامل استعداده للعمل أو استيعاب الدروس إذا كانت الدراسة في رمضان.
ـ إنهم يتحدثون في رمضان عن تلميذ ومدرس وموظف ناموا على مكاتبهم.. هذا خلاف ما يحدثه الصوم في أصحاب العادات المستحكمة من توتر وقلق.. وما يسببه من أخطاء.
ـ إن ليل رمضان لم يفرض فيه السهر إلا ما تقتضيه الطاعات.
ـ وعادات السهر في ليل رمضان لا ينبغي أن تنعكس في النهار نوماً على المكاتب.. وأخطاء.. وثورة أعصاب.
ـ رمضان جاء ليهذبنا.. ويربينا.. ويقوينا.. لا ليهدمنا.
ـ وعلماء وظائف الأعضاء يرون أن الإفراط في الغذاء يعطل بعض وظائف الجسم تماماً كالنقص في الغذاء.
ـ وإذا تذمرنا من الصوم فقد اكتشف علماء الطبيعة أن بعض الحيوانات تصوم حفاظاً على نوعها استجابة فطرية.
ـ ونجوم الرياضة يمارسون نوعاً من الصوم بتقنين أغذيتهم وممارسة تمارين عنيفة لا نحتاج لأكثر من عشرها لأداء واجباتنا الرمضانية على أكمل وجه.. إرضاء لخالقنا لا مجرد إرضاء لمخلوقاته باستدرار تصفيقهم وهتافهم الذي سرعان ما يضيع بضياع اللياقة.
ـ إنه عناد طبائعنا المتمردة على القيود حتى لو كانت هذه القيود في صالحنا لا قيوداً في أيدينا.
ـ ورمضان يكفي منه أن يعلم الصبر والاحتمال والسخاء والتألق الروحي والنقاء والوفاء.. وكلها رموز محبة وتواصل وخير عبر جسور العبادات والصدقات والطاعات.
ـ وفي كتابه "حياة محمد" يقول محمد حسين هيكل عن الفئة التي تنظر إلى رمضان على أنه قيد على حرية الإنسان: إن التفكير الحديث أفسد في أذهاننا صورة الحرية حين هدم حدودها الروحية والنفسية.. واستبقى حدودها المادية التي تنفذ بسيف القانون.
ـ إن القيود التي تجمل الحياة.. وتهذبها تسمى حرمانا.. تصور؟!