|


بندر الدوخي
القدر و27
2010-08-31
العشر الأواخر من رمضان مصرف المصارف.. وموسم المكاسب الخيالية التي لا تحققها لك الأسهم والسندات والعقارات وبقية الأعمال التجارية.
ـ وفي هذا المصرف لن تدفع قرشاً واحداً سوى ما تدفعه بإرادتك لإطعام جائع أو كساء فقير.. وما عدا ذلك فرياضة بدنية وروحية بصوم يسقط سموم البدن وعبادات تنعشه وتقويه مادياً ومعنوياً.
ـ إننا نركض وراء تجارة تكسبنا 10% فما بالك بتجارة رأس مالها أنت وأرباحها 1500%.. إنها التجارة مع الله.
ـ وإذا كنت تتعب طوال العام لتكسب ريالاً أو مليوناً فثق أن ليس لك منها إلا ما لبست فأبليت أو تصدقت فأبقيت.. والباقي للورثة أو ذنوب وأخطاء ارتكبتها وأنت تعمل.
ـ أما أن تتاجر مع الله فتلك هي التجارة الرابحة ورأس المال هو أنت بكل ما فيك من نبض وأحاسيس ومشاعر.. وكل من يتجه إلى ربه بكل ما فيه من عروق الحياة يملك هذا الشرط.
ـ والله يمنحك فرصاً ذهبية في مواسم محدودة من العام لا تتجاوز أيامها أصابع اليدين كالعشر الأواخر من رمضان.
ـ وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يحتفي بهذه العشر.. ويحيها بالذكر والقراءة والصلاة، ويوقظ أهله لنفس الهدف.. وقد اعتكف عليه الصلاة والسلام في هذه العشر الأواخر من رمضان وبشر فيها بليلة القدر التي هي خير من ألف شهر.
ـ حصاد ليلة واحدة يفوق حصاد أكثر من ثمانين عاماً، وعرفاناً بهذا السخاء الإلهي قال الشاعر عمر بهاء الدين الأميري:
حذار يا شيطان جسمي حذار
فهذه أيام شد.. الأزار
يدنو بها المذنب من ربه
في غمرة من خشية وادكار
يعتزم التوبة من ذنبه
مستغفراً في ذلة وانكسار
ـ ولا ينسى الشاعر الأميري في هذه العشر المباركة ليلة القدر فيقول:
يا رؤى الإشراق في الليل المنير
يا شذا الرضوان في الخلد النضير
هل لنفسي أمل في نفحة
من فيوض الله.. أن لج مسيري
هذه روحي حامت ولها
وسمت بي فوق أجواء الأثير
تبتغي من ليلة القدر سنا
ليتها تنعم منها بعبير
ـ وقد اختلف العلماء في تحديد ليلة القدر..
ـ فالإمام أبو حنيفة يرى أنها قد تكون في أيّ ليلة من ليالي شهر رمضان.
ـ والإمام الشافعي يرى أنها تقع في أيّ ليلة من ليالي شهر رمضان.
ـ وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يرى أن يلتمسها المسلمون في ليلة السابع والعشرين من رمضان.
ـ ويقدر فقهاء الحنفية أنها في النصف الثاني من رمضان.
ـ وفي شرحه لصحيح البخاري يقول الشيخ البدر العيني: إن الحكمة من إخفاء ليلة القدر دفع المسلمين إلى العبادة طوال الشهر الفضيل.
ـ ورأى سيد قطب: أن البشرية لجهالتها ونكد طالعها غفلت عن ليلة القدر ففقدت أسعد وأجل آلاء الله عليها وخسرت السعادة والسلام الحقيقي الذي وهبها إياه الإسلام ولم يعوضها عما فقدت ما فتح من أبواب كل شيء من المادة والحضارة والعمارة.
ـ وقد علق الزهري على قوله تعالى: (إنا أنزلناه في ليلة القدر) قائلاً: إن ليلة القدر ذات قدر عظيم لنزول القرآن فيها.. أو ما يقع فيها من تنزل الملائكة أو ما ينزل فيها من البركة والرحمة والمغفرة.. أو أن الذي يحييها يكون ذا قدر جسيم.
ـ وقيل سميت "القدر".. لأن الله يقدر فيها أحكام سنة مقبلة.
ـ وقال الشيخ النووي: إنما سميت كذلك لما يكتب فيها الملائكة من الأقدار.
ـ ووافقه على ذلك عدد من الشراح والمفسرين.
ـ فاللهم اكتب لنا في رمضان من أوله إلى آخره ما تمن به علينا من فيض مغفرتك.