|


بندر الدوخي
تجربة طفل
2010-09-08
هذا الصغير، تفجرت في قلبه ينابيع رمضان.
ـ ركض إلى أمه مبتهجاً: أمي.. إنه رمضان.
ـ قالت : أعرف.. إنه شهر الخير.
ـ قال لها : أمي.. ما دام رمضان شهر الخير فسأصوم.
ـ سألته مستغربة: تصوم؟! إنك صغير.
ـ قال : إن عمري عشر سنوات.
ـ قالت : ولكنه يوم كامل، لن تتحمله.
ـ قال : أثق أنك أو أبي – جربتم مثل هذا، وبإمكانات أقل، وقدرتم عليه.
ـ قالت : ولدي إنك تتحدث كالكبار.
ـ قال : نحن الآن بعد العشاء، سأنام قليلا، ولكن بشرط أن توقظيني للسحور وإلا سأضع الساعة المنبهة إلى جانبي.
ـ قالت : ما دمت مصراً فسأوقظك.
ـ استأذنها لينام.. وجلست تحكي للأب ما حدث بينها وبين ابنها، وسألته رأيه؟
ـ قال لها : سأوقظه للسحور، لن أفسد عليه رغبته في الصوم.
ـ قالت له: ولكنه لا زال صغيراً، وسيصحو للمدرسة باكراً، ويعود منها متعباً، إن جسمه لن يتحمل إرهاق الصوم والدراسة.
ـ قال لها: إنه مثلي عندما كنت صغيراً، كنت أصر على مشاطرة الكبار همومهم وسحورهم وصيامهم وقيامهم، وإذا رفضوا هذا أحسست بوحشة كبيرة.
ـ قالت : ولكنه صغير.
ـ قال الأب : كنت في سنه يوم قررت أن أخوض التجربة اقتناعاً مني أنني جزء من كل، دعيه يجرب إن استطاع وإلا فبيده الخيار.
ـ قالت : أفهم من هذا أن نوقظه للسحور.
ـ قال الأب : وما العجب إذا كان في نفسه اقتناع.
ـ قالت : إني أشفق عليه أن أوقظه من نومه.
ـ قال : ما دام راغباً فلابد له أن يتسحر، ويصلي الفجر.
ـ واستيقظ الطفل مع أول نداء، وأقبل على السحور بشهية، وصلى الفجر وقرر الصيام بعزم.
ـ وجاءت أمه توقظه للمدرسة فلم يتلكأ، وكان إيجابياً.
ـ عاد من المدرسة وكانت أمه تفكر فيه طيلة غيابه، فكان فوق حسبانها قويا متدفق الحيوية، ولكنها لاحظت وهي تعد طعام الإفطار أنه يسألها عن موعد الإفطار.
ـ قالت له: بعد ساعات، أي حتى يرفع آذان المغرب.
ـ أجال الطفل عينيه في أواني الطعام، ومضى إلى غرفته، وتبعته بكل حنانها ورأفتها حاملة بعض الطعام والشراب، ففاجأها قائلا: أمي.. ما هذا؟ أنسيت أنني صائم؟
ـ وكان الأب يراقب الموقف فقال: نعم.. لقد قلت لها هذا، ولكنها تعاملك بروح الأم.
ـ قال بصوت الكبير: وهل هي أرأف بي من خالقي؟
ـ واستغرب الأب والأم معاً هذه النباهة المبكرة، وحمداها.
ـ وعلى مائدة الإفطار سألاه: أتريد أن تواصل الصوم؟
ـ قال : ولم لا.. إنه ممتع.
ـ وهمس الأب لنفسه: نعم.. إنه ابني، فقد كنت أفعل نفس الشيء وأنا صغير، إن الصيام متعة لا يعرفها إلا الصادق، إنه واحد من أجيال الفطرة التي تتقوى بالتحدي.