|


سلطان رديف
مهنة.. عاشقها لا ينام
2017-03-19

 

العمل الإعلامي يُعرف بأنه مهنة من يزاولها لا بد أن يملك مواصفات لهذا العمل؛ لذلك لا يمكن أن تصنف بأنها وظيفة، وفي عالم المهن، الخبرة هي الإرث الذي يقوم عليه الإبداع؛ لذلك كان ولا يزال الإعلامي الناجح هو من يتدرج في مدرسة الإعلام من خلال تجاربه الميدانية، ولا يمكن للجامعات ولا الكتب أن تصنع الإعلامي في ميدان العمل، ولن يصنع لنا التنظير عملاً احترافياً. ولنعد لعالم الإعلام في بقاع الأرض، لم ينجح فيه إلا من تدرج في مدرسته، بل أغلب الناجحين أولئك الذين اكتسبوا مهنة الإعلام من خلال خبراتهم وتجاربهم وعملهم الميداني؛ لأن العمل الصحفي يقوم على الحس الذاتي للشخص، وصناعته لا تنجح إلا بيد من تراكمت لديه الخبرات، فيستطيع أن يميز ما بين الغث والثمين، ويصنع المحتوى والمادة التي تنافس، ومن أجل هذا لا يمكن أن تجد إعلامياً أو صحفياً مهنياً لا يعشق العمل الميداني، مهما وصل من مناصب يبقى شغوفاً لميدان العمل؛ لأنها حالة من الإدمان لا يمكن التوقف عنها.

 

اليوم، وبعد أن تحولت المهنة إلى وظيفة، والعمل الميداني لعمل مكتبي، وتنافس رجال الصحافة والإعلام على المناصب، وأصبح كلامهم أكثر من عملهم والحرب بينهم طاحنة، وتغير الصحفي من شخصية حيادية مستقلة ملك للمجتمع، لمتعصب منحاز ينفذ أجندة هنا وهناك، وأصبحت المصالح الشخصية أهم من المصالح العامة، فقدنا العمل الميداني الحقيقي الذي كنا نتميز به، الذي هو الجاذب الأول للمشاهد والمجتمع، وعندما تخلينا عن صناعة الإعلام الحقيقي وذهبنا للإعلام المعلب، أفقدنا مهنة الإعلام لذتها وشغفها وإبداعها، فلم يعد لدينا مبدعون، بل أصبح التكرار والروتين طابع الكثير من البرامج والصحف، وعندما تخلى الإعلامي عن وسيلته الإعلامية وحب الانتماء والولاء، واعتد بنفسه وأصبح يرى أنه أهم من المؤسسة الإعلامية، فقدنا التنافس الميداني.

 

إني لأستعجب أن هناك قنوات وصحفاً تعجز اليوم عن صناعة محتوى يحدث الفرق، وأستغرب أكثر وأكثر أن مؤسساتنا الإعلامية أصبحت لديها عشرات المنصات، وبعد أن كانت بذراعين أصبح لديها عشرات الأذرع، ومع هذا لم تستغل وتواكب وتستثمر، بل تشتكي، وتصيبني الدهشة عندما أشاهد الإعلامي أو الصحفي بعد أن كانت مصادره وأدواته محدودة، أصبح لديه اليوم الكثير من المصادر والأدوات التي تساعده على الإبداع والتميز والوصول السريع للخبر والمعلومة وصناعة الحدث، يعجز عن التحرك في كل اتجاه نحو الإبداع.

 

أخيراً اعلموا أن مشكلتنا ليست في الإعلام، بل مشكلتنا فيمن يصنع ويفكر ويخطط، وفيمن يقود وينتج ويبدع، ومشكلتنا تكمن في عقول كانت لا تنام وتفكر وتجتهد ألف مرة، واليوم تجلس على مكاتبها وتريد من يفكر عنها، ويعمل عنها ويقدم لها محتوى معلباً، لا يترك أثراً ولا تأثيراً، فالإعلام مهنة تَصنعُ الإبداع وعاشقها لا ينام.