|


بدر السعيد
طوّل الغيبات وجاب الغنايم..
2017-05-07

لم يكن مساء الخميس الماضي كأي خميس.. ولم تكن مباراة الجولة الأخيرة في دوري المحترفين كأي مباراة بالنسبة للهلال وعشاقه.. فقد كانت ليلة عودته متوجاً إلى منصة دوري المحترفين.. المنصة التي طالما كانت مقصداً للأزرق.. وأضحت مستقراً لأقدام نجومه على مدى الأجيال.. فحين نقول الدوري فنحن نقصد الهلال.. وحين نقول الهلال فنحن نقصد الدوري.. وشهودنا على ذلك أربع عشرة بطولة دوري جلبها نجومه من أرض الملعب طوال تاريخه.. وهو الرقم الذي يجعله متربعاً على عرش الدوري السعودي بفارق الضعف عن أقرب منافسيه..

 

شخصياً، لم ولن أعتبر حصول الهلال على الدوري بحد ذاته إنجازاً يستحق الحديث المطول عنه.. فالحصول على كأس البطولة والميداليات وكل ما قد يصاحب ليالي التتويج من احتفالات ومراسم ونحوها، كلها أمور ومشاهد اعتادت الأعين على مشاهدتها محلياً ودولياً في ختام معظم البطولات.. إلا أن ما يدفعني للكتابة هي تلك الثقافة الزرقاء التي صاحبت عودته للبطولة.. الثقافة التي من أجلها ولأجلها أصبح زعيمًا لأندية الوطن والقارة.. 

 

في تلك الليلة، قدم الهلال مشاهد قرأتها العقول قبل الأعين.. واحتفظت بها القلوب قبل الأدمغة.. في ليلة التتويج.. استشعر الهلال أنه أخطأ بحق عشاقه كثيراً.. فالغياب لخمسة مواسم عن بطولة الدوري هي كارثة في قاموس الهلاليين.. ولأن العتاب كان على قدر المحبة.. فقد كان الاعتذار على قدر الخطأ.. إذ زعيمهم يقدم لهم بطولة الدوري بشكل ومذاق وكيفية مختلفة.. فجلبها مصحوبة بما لذ وطاب من أرقام.. فكان هو الأقوى هجوماً.. وحراسه.. وأكثر فوزاً.. وكسر معها الحاجز النقطي في الدوري بـ 66 نقطة.. وانتصر في كافة اللقاءات التي أقيمت خارج معقله "مدينة الرياض" طوال مسيرته في هذا الدوري.. وقد استطاع ذلك الأزرق وبكل اقتدار استغلال ذلك التجمع الجماهيري المهيب لعشاقه على أرض الدرة.. فوجدها فرصة لتقديم اعتذاره بشكل يناسب تلك المناسبة ويرتقي لذائقتهم.. فاختتم نزالات الدوري بالانتصار الكبير في ديربي العاصمة بخماسية كانت بمثابة عربون اعتذار من نجوم الزعيم لجماهيره في ليلة فرحتهم بالدوري..

 

في ليلة تتويج الزعيم.. عمدت إدارته إلى دعوة نجوم فريقها في درجتي الشباب والأولمبي التي حصلت هي الأخرى على بطولات الدوري في هذا الموسم.. وقد استطاعت إدارة الهلال بهذه الدعوة من وضع الأجيال القادمة أمام محاضرة عملية عنوانها "الولاء للكيان.. والوفاء لجماهيره"، وهي بذلك تستمر في بذر المزيد من الوفاء لدى أبناء النادي.. وهي صفة اعتاد الهلاليون على مشاهدتها.. وأبدعوا في رسمها وصناعتها جيلاً بعد جيل..

 

وعلى ذكر الوفاء.. فإن المتابع لتلك الليلة سيلحظ وبوضوح ما سبقها من اهتمام وتأكيد، على وجود العديد من نجوم الهلال على الصعيد الخارجي.. وهي عادة هلالية تجسدت واقعاً في أكثر من مناسبة، مهما تغيرت جنسية وعمر هذا النجم أو ذاك المدرب، فهم في تعريف الهلال وقاموسه "عشاق"..

 

وفي ساعة التتويج.. لم يظهر احتكار النجوم للمشهد.. ولا سباق المشاهير على انتهاز اللحظة ولفت الانتباه والتفرد بالصورة.. فقد قدم النجوم فاصلهم على منصتهم المفضلة وهي أرض الملعب، وتركوا الأولوية في منصة التكريم لتشهد على الوفاء لكل مخلص.. وبالتساوي.. فقد تقدم العاملون بالنادي وإدارة كرة القدم والمركز الإعلامي والأجهزة الطبية ثم الفنية واحداً تلو الآخر.. وكانت الأولوية لهم قبل غيرهم.. وكان آخر من صعد المنصة هو نائب رئيس النادي ومعه كابتن الفريق..

 

في تلك الليلة غاب عرّاب المرحلة.. غاب قائد الفرقة الزرقاء.. غاب "وجه السعد" كما أحب عشاق الزعيم تسميته.. لكن إنجازاته حضرت.. وأدبياته تجلت.. وفلسفته صبغت المشهد الأزرق.. الفلسفة التي ورثها نواف بن سعد عن سابقيه ممن تشروفوا بخدمة ذلك الكيان..

 

أشاهد هذه العودة.. مصحوبة بالغنايم.. فأتساءل: هل كان للهلال أن يحصل على كل هذا الحب والوفاء لو كان ممن استثمروا في الكراهية..؟! هل كان للهلال أن ينال هذه الالتفافة الواعية من عشاقه خارج الوطن لو كان مسيئاً في حق أجانبه ومن علموا معه طوال تاريخهم..؟! لا أعتقد ذلك وبكل تأكيد.