|


هدى الطويل
بطل السلام أم الحرب؟
2017-05-14

 

"إنَّ ابني زرادشت سيكون ناضجًا بالحكمة، لكن رفيقه الوحيد سيكون نسرًا، سيكون أكثر الرجال وحدة في العالم"..

نيتشه،،

 

تأثر حزب العمال البريطاني في بدايات تكوينه الفكرية، بفلسفة ما يسمى بـ "الاشتراكية الفابية"، وهي إحدى أكثر أنواع الاشتراكية إيمانًا بالأدوات السلمية.

 

سميت بالفابية نسبةً للقائد الروماني "فابيوس"، الذي استطاع باستراتيجياته العسكرية الخاصة، هزيمة القرطاجي "هانيبال" و "إنقاذ" مدينة روما.

 

كانت إحدى الاستراتيجيات العسكرية التي ابتدعها فابيوس، هي تلك التي تعرف اليوم بـ "حروب الاستنزاف"، وهي التي تعمد إلى إنهاك الخصم بمناورات غير مباشرة، حتى يتم تحييده وإضعافه، ومن ثم الإنهاء عليه بضربة مباشرة قاتلة. ومن أجل هذا النوع من الاستراتيجيات الحربية غير المباشرة، التي عرف بها فابيوس، أطلق الرومان عليه لقب "كونكتاتورد" أو "المُؤجِّل"، وهي صفة يشير فيها الرومان إلى فابيوس بصورةٍ سلبية.

 

بعيد الحرب العالمية الثانية، صعد نجم حزب العمال البريطاني، واستطاع الحزب اكتساح الانتخابات البرلمانية في البلاد، والوصول إلى سدة الحكم، في انتخابات تاريخية مفاجئة، هزم فيها أسطورة "ونستون تشرشل" معبود الشعب الإنجليزي. 

 

كان تشرشل زعيم المحافظين يمثل للبريطانيين "بطل الحرب"، الذي بفضله نجت بريطانيا وانتصرت في الحرب العالمية الثانية على العدو النازي. لكن بعد انتهاء الحرب وضع البريطانيون ثقتهم السياسية في "حزب العمال"، الذين رأوا فيه "بطل السلام" القادم.

 

يستطيع الاتحاديون بدورهم في الانتخابات الرئاسية القادمة، تمييز "أبطال السلام" عن "أبطال الحرب"، وبيدهم وحدهم اختيار السمة التي يجب أن تكون عليها الفترة الرئاسية القادمة لناديهم، إذا ما أرادوها فترة سلام، أم فترة حرب. 

 

فماذا يريد الاتحاديون؟!.. هل يريدون قائدًا كـ "فابيوس" يمجدونه نهارًا ويخلعون عليه لقب "المنقذ"، ثم إذا ما حلَّ عليهم اللَّيل لعنوه ووصفوه بـ "المؤجِّل"؟!.. أم يريدون شخصًا في هيئة "حزب العمال"، بطلاً للسلام ولا شيء غير السلام.

 

"الحكيم" هو إنسان وحيد كما يقول نيتشه، ذلك أنَّه شخص يتصف بالتفكير الحر، التفكير المستقل، التفكير بالذات وليس التفكير بالواسطة، والأهم من كل ذلك يتصف بـ "التفكير النقدي"، حيث يفحص الفكرة ويقلبها على كل وجوهها، وعليه يستطيع إصدار أحكامه على الأفكار والتصورات والقضايا، من منطلق ما توصل إليه من أحكام نابعة من قراءات شخصية، اجتهد فيها وأعمل عقله في تحليلها، ابتغاءً للوصول إلى الحقيقة وحدها، دون البحث عن مصلحة شخصية، أو مكتسبات نفعية خاصة.

 

رئيس الاتحاد القادم لن يخرج عن أحد اثنين: إما الكونكتاتورد فابيوس بطل "الإنقاذ المؤجِّل"، أو كليمنت أتلي بطل "السلام والاستقرار" المنشود؛ الأمر في نهاية المطاف منوط بالاتحاديين وحدهم، والذين عليهم أن يتحملوا مسؤوليتهم التاريخية، وأن يختاروا بـ "حكمة" الأصلح لرئاسة ناديهم.