لكل بداية نهاية.. وعند النهاية.. يقف المتابع طويلاً أمام المشهد الأخير.. وبعد النهاية يقف لفترة أطول مراجعًا ومستذكراً ما تحفظه ذاكرته من فصول، في قصة امتدت لعشرة أشهر.. والقصة التي بين أيدينا ذات فصول شيقة.. لم تكن شيقة بما احتوته من متعة، بقدر ما احتوته من أحداث مثيرة..!.
قصة موسم كروي عجيب.. موسم طويل.. تخللته الكثير من الأحداث.. تغيرت خلاله مقاعد الاتحاد الوطني لكرة القدم.. بل تغير خلاله الرئيس العام للهيئة.. وقبل ذلك كله تم تغيير الشكل والاسم الرسمي للرئاسة العامة لرعاية الشباب.. موسم تزامن من تألق الأخضر في مشواره نحو روسيا.. موسم امتلأ بالمواجهات الفنية كاملة الدسم.. وفاض بالوقائع والقضايا خارج المستطيل الأخضر.. تابعت كغيري مشاهده.. وأسرد لكم اليوم ما حفظته ذاكرتي عند إسدال الستار.
في الهلال.. بدأ ربانهم رحلته وكأنه الباحث عن كنوز ما خلف البحار.. أبحر "نواف" بسفينته، بعد أن أصلح كل ما أفسدته يد الزمن.. وأذرع التغيير.. وألسن التطاول.. أضاف للسفينة طاقماً من الأفراد.. واحتفظ ببعض أفراد رحلة الموسم الماضي.. ظهر النجاح واضحاً على كل من راقب تلك السفينة.. وتشابه في ذات الشعور من انتظر وصولها بشغف ليفرح.. وكذلك أولئك الذين تمنوا أو سعوا لإيقافها.. لكنه انتصر في النهاية وحقق كل ما يتمناه وأكثر..!.
في الأهلي.. تغيرت الإدارة.. غادرت الأسماء الفاعلة في الإنجاز الثلاثي.. حاول صناع القرار تعديل ما يمكن تعديله.. لكن الصورة باتت أشبه بعملية تجميل فاشلة.. وكانت النتيجة المتوقعة أن خرج الفريق محلياً خالي الوفاض..!.
في النصر.. ظهرت أولى مؤشرات الفشل في تبوك.. وبدلاً من علاج المشاكل تم التخلص من أدوات النجاح.. غادر الحقباني.. واستقال العمراني.. ليلحق بهم زوران.. وامتدت فصول الخروج حتى بلغت ذروتها بالهروب الجماعي ليلة ختام الدوري.. فكانت عنواناً لخاتمة المشهد النصراوي..!.
في الاتحاد.. عاد العاشق القديم أحمد مسعود ـ يرحمه الله ـ إلى بيته.. عاد ليعيد للاتحاد روحه.. قبل أن تفيض روحه.. أكمل المسيرة عضده باعشن.. وعلى الرغم من الكوارث التي لا يتحمل أسبابها إلا أنه كان شجاعاً في تحمل إصلاح ما يمكن إصلاحه.. وظفر بكأس غالية.. وقبل ذلك كله أعاد للإتي هيبته.. وجماله.. وروحه.. وعنفوانه..!.
في الرائد.. ظهر الجسور "عبد العزيز التويجري".. بدأ موسمه بالإصلاح المقنن.. واستعان بالقوي الأمين في كل مركز وموقع.. كان يدرك أن المسؤولية شاقة.. وأن رضا الريداويين غاية لن تدرك.. لكنه فعلها.. وقدم موسماً أعاد فيه الابتسامة.. والثقة لمدرج يستحق الفرح.
في الشباب.. اتفقت الصعوبات أن تحيط به من كل حدب وصوب.. ضعف وتخلٍّ وتراجع داخلي من أعضاء الشرف والداعمين.. وعقوبات صاعقة.. صارمة.. أطاحت بكل أمنية ورغبة.. وبقيت الحسنة الوحيدة هي استقطاب سامي الجابر "مالئ الدنيا وشاغل الناس"..!.
في التعاون.. بات الحلم حقيقة.. وباتت "بريدة" معه وبسببه مقصداً آسيوياً.. وإحدى محطات دوري أبطال آسيا.. كان "السكري" في الموعد.. وقدم فيها أجمل بداية لباكورة مشاركاته القارية.. لم يفشل.. قدم كل ما لديه.. لا يلام محلياً فقد وصل إلى مركز متقدم نسبياً.. ولا يلام خارجياً فيكفي أنه صدّر "الدبس" إلى آسيا..!.
في الفتح.. بدأ المشهد مزعجاً.. فحالة الضعف وسوء الأداء بديا واضحين.. صاحبهما سوء متكرر في النتائج.. إلا أن معظم المتابعين كانوا يثقون في جودة أداء الإدارة والجهاز الفني بقيادة المخضرم الفذ "فتحي الجبال"، وهو الخبير في دروب الدوري ومنعطفاته.. لذا فقد انتهى المشهد آمنا.. لكنه بالطبع لم يرتق لمستوى طموحات وتوقعات المحبين..
في الفيصلي.. تحقق المهم وهو البقاء موسماً آخر في دوري المحترفين.. ولكن.. غاب الأهم وهو الوصول إلى مركز متقدم يليق بقيمة ومكانة "عنابي سدير".. الإدارة وأعضاء الشرف والأعيان واللاعبون تسببوا في كل ما حصل للفيصلي من تراجع.. وبالتساوي..!.
في القادسية.. كان المتفائل والمتشائم على القدر نفسه من الإحساس المتناقض..! فتارة يظهر الفريق كمجموعة خارقة في القوة وصعب المراس والإيقاف.. وتارة يستسلم لأقل الظروف الفنية صعوبة.. أجاد أنجوس صنع شخصية الفريق.. لكنه فشل في المحافظة على ذلك..!.
في الاتفاق.. استبشر العشاق بمنتجهم القادم "الاتفاق الجديد".. وهو المنتج الذي بدأ إنتاجه للتو على يد مجموعة شابة يقودها الشاب "خالد".. إلا أن تطلعات أولئك العشاق فاقت ما قدمه الفريق من عطاء وأداء.. وكم كنت أتمنى أن تكون القناعة حاضرة أمام العشاق وهم يطالبون الإدارة بالمعجزات في أول موسم لها بعد عودة "شاقة" من غابة الدرجة الأولى..!.
في الباطن.. ظهر الولاء والانتماء في أجمل صوره.. كان الإطار ولا يزال يحتفظ للإدارة بصورة ذلك الفارس "السماوي" وهو يشق طريقه في ممرات دوري المحترفين.. لم يعتذر بالإشعار المتأخر في المشاركة.. ولم يستسلم لهيبة ورهبة الظهور الأول.. ورغم كل ما واجهه من عقاب، إلا أنه بقي لموسم آخر بين الكبار..!
في الخليج.. لم يكن للخبرة أي دور في إسعاف الفريق.. ولم يكن بمقدور الإدارة أن تجابه التطور الحاصل لدى المنافسين.. ولم يكن التحضير الاستباقي للموسم شافعاً للبقاء.. ولم تكن التغييرات التي صاحبت مراحل الموسم كفيلة بضمان الاستمرار موسماً آخر..!.
في الوحدة.. تاهت بوصلة الإدارة مبكراً.. وضاعت الحلول في زحمة المنافسات.. وغابت الخبرة عن علاج المشاكل.. وفي زحمة كل تلك العقبات كان أعضاء الشرف يقفون موقف المتفرج وهم يشاهدون فريقهم يتجه بسرعة الصاروخ نحو الهبوط.. لذلك كان الهبوط نتيجة منطقية لعمل لا يستحق أن يبقى ضمن الكبار.
كل ما ذكرته لا يعدو كونه تصوراً شخصياً لمشهد كنتم أكثر اطلاعا مني على تفاصيله وخفاياه.. واليوم ونحن نشاهد إسدال الستار.. هل سنستفيد من دروس وتجارب هذا الموسم؟ هل سيكرر المخطئون أخطاءهم؟ هل سنبدأ التحضير للموسم المقبل من اللحظة التي أسدل فيها ستار هذا الموسم؟.
أتمنى ذلك.. لكن التجارب السابقة تقول لي.. لا تتفاءل كثيراً فنحن لا نتعلم من دروسنا..!