|


أحمد الفهيد
قصتان قصيرتان عن "غسل العار"
2017-06-20

(١)

أحد أعضاء مجلس اتحاد كرة القدم في السعودية، أفشى لصحيفة "مكة" شيئاً مما تداولته الألسن في الاجتماع الأخير، ضمن دائرة نقاش قصيرة، قال لها "إنه قدم في الاجتماع مقترحا بزيادة عدد اللاعبين الأجانب في دوري المحترفين عن العدد المسموح به حاليا وهو 4 لاعبين، ليصبح 5، أو 6"، لكن المقترح أجل البحث فيه وبَتّه إلى الاجتماع التالي، حتى تنضج كل مبررات اتخاذه، وتصبح سائغة لتكون قراراً (رسمياً)، كما صار قرار السماح بالتعاقد مع حراس مرمى أجانب، وكما سيصير قريباً قرار "اعتبار اللاعب الخليجي لاعباً سعودياً، وليس ضمن قائمة اللاعبين الأجانب الأربعة المسموح بمشاركتهم محلياً".

 

(٢)

ولهذا السبب، وقبل أن يقر الاتحاد الموقر هذه الزيادة، أريد أن أقص عليكم "قصتين قصيرتين"، ربما يكون فيهما ما يضيء عتمة الرأي، ويزيح الليل عن الأفكار النائمة .. قصتان، الأولى كانت ألمانيا (قبل 17 عاماً) مسرحاً لفصولها، وتفاصيلها، والثانية حدثت في الصين قبل عام واحد.

 

(٣)

في ألمانيا "بطلة العِلْم والعالم"، كانت الهزيمة التي حصلت عام 2000 كارثية، ومخزية، كانت "عاراً" في تصنيف الألمانيين، وسبباً كافياً للغضب الحاد .. غادر حامل اللقب الأوروبي دور المجموعات وفي رصيده نقطة واحدة، وهدف واحد، وهي المرة الأولى في تاريخه التي يُذلُ بهذا الخروج المسيء، ولهذا أعلنت رابطة الاتحاد الألماني حالة الاستنفار، لإنقاذ الهيبة التي مُسَّت بسوء (في 3 مباريات)، كان حصادها هزيمتان وتعادل. 

 

(٤)

احتشدت الجماهير أمام مقر اتحاد الكرة الألماني، ورفعت لافتات كُتب عليها عبارات تجتمع في هذا المعنى "إنه العار .. استقيلوا، لقد جعلتم الكرة الألمانية أضحوكة"، فرضخ الرئيس والأعضاء للأمر، ونفذوا العقوبة (عقوبة الخروج المُهين) وغادروا مناصبهم أجمعين.

 

(٥)

اجتمع الاتحاد الجديد بأساطير اللعبة، وعقولها الإدارية الفذّة للبحث عن أسباب التدهور، واقتراح الحلول الكفيلة بمنع تكرار هذا الانحطاط الكروي مرة أخرى، وإزالة كل الوحل الذي علق بالكرة الألمانية، وتلميع سمعتها من جديد.

 

(٦)

عثر المجتمعون على المشكلة التي تعثروا بها، وأصدر القيصر والقائد التاريخي فرانس بكنباور، بياناً إعلامياً، قال فيه "بعد 5 سنوات من الآن، ستعود الكرة الألمانية إلى موقعها، فوق الجميع، سيحدث ذلك تدريجياً".

 

(٧)

فأين كانت المُشكلة؟.. في ربيع 2001، شارك نادي "إنيرجي كوتبوس" بتشكيلةٍ خلت من أي لاعب ألماني، هذا الأمر أيقظ رؤوساً من سباتها، ونبهها إلى المصيبة، ألمانيا بلا لاعبين محليين، النهر الدافق يجفّ، والسماء لا تمطر إلا لاعبين أجانب!.

 

(٨)

فأين كان الحل؟!.. في اجتماع رئيس الاتحاد الألماني لكرة القدم آنذاك جيرارد ماير فورفيلدر، مع رؤساء 36 نادياً ألمانياً، وممثلين لعدة شركات استثمارية ووسائل إعلامية، الذي عُقد لصناعة فريق تصحيح، يقوم بإصلاحات جذرية، ووضع قوانين إلزامية، لحل المشكلات المالية للأندية، وتوسيع دائرة الاهتمام بالمواهب المحلية الشابة، وتطوير أدائها، للفوز بمخرجات قادرة على كتابة اسم المنتخب الألماني في أول القائمة (قائمة الأبطال) وذلك بتوفير الدعم اللازم مالياً، وفنياً، وقانونياً .. ومن القوانين التي سُنت حينها، إجبار الأندية الألمانية من الدرجتين الأولى والثانية على إنشاء أكاديميات كرة قدم بمواصفات محددة، لتخريج مواهب كروية ألمانية شابة مذهلة. 

 

(٩)

وبعد عامين من ذلك الاجتماع التاريخي، أُسست 38 أكاديمية كرة قدم للأندية المحترفة، وأكثر من 360 مدرسة رياضية، مهمتها اكتشاف النابغين كروياً، وصقلهم، ليكونوا لائقين بارتداء قميص المنتخب، وفق نظام متقدم إدارياً ومالياً، وخاضع لرقابة لجان مختصة بالجودة.

 

(١٠)

فما الذي حدث؟.. أُنتِج جيل من اللاعبين المحليين الصغار المهرة، الأشداء، الأذكياء، الأقوياء، واستقرت الأندية مالياً، واستغلت الأرباح في ترميم وتنمية بنيتها التحتية (ملاعب ومدارس كروية، ومرافق الأكاديميات)، وشكلت مخرجات الأكاديميات أكثر من 57% من لاعبي الدوري الألماني للمحترفين "البوندسليجا"، وأكثر من 71 % من لاعبي أندية الدرجة الثانية.

 

(١٢)

هل حدث شيء أهم من ذلك؟.. نعم، في عام 2007 فازت ألمانيا بالمركز الثالث لبطولة العالم تحت 17 سنة، وفي العام التالي 2008، عادت إلى البلاد بكأس أوروبا تحت 19 سنة، وفي 2009 حملت كأس بطولة أوروبا تحت 17 سنة، وفي العام نفسه فازت ببطولة أوروبا تحت 21 سنة، وفي 2011، كانت الميداليات الفضية نصيبها من بطولة أوروبا تحت 17 سنة، وفي 2008 جاء المنتخب الألماني الأول في المركز الثاني، ثم صار بطلاً للعالم في 2014.

 

(١٣)

القصة الثانية وموقعها الصين، حيث لاحظ اتحاد الكرة هناك أن إنفاق الأندية الصينية المُبالغ فيه للمبالغ المدفوعة لاستقطاب نجوم كرة القدم عالمياً، سيؤثر على فرص اللاعبين الصينيين الشباب، وسيؤدي إلى تدهور اللعبة في البلاد مستقبلاً.

 

ولإيقاف الهدر المالي المريب، وحماية كرة القدم الصينية من السقوط الشنيع، قرر اتحاد اللعبة أن تضم قوائم التشكيلة الأساسية لأي فريق "3 أجانب فقط، و8 محليين"، واشترطت على كل نادٍ ألا يضم في قائمة فريقه لأي مباراة والمحددة بـ 18 لاعبًا أكثر من 5 لاعبين أجانب، مع السماح لـ 3 فقط منهم ببداية اللقاء .. وإمعاناً في إنقاذ مواهب الكرة الصينية من الاندثار، فُرض على إدارات الأندية ضم لاعبين أقل من 23 عامًا في قائمة المباريات، على أن يشترك لاعب شاب صيني واحد بصفة أساسية إجبارية في كل مباراة.

 

(١٤)

قصتان قصيرتان، لكن أثرهما طويل جداً .. وكلا القصتين تتحدثان بإسهاب عن الاستثمار في الشباب، عن بناء المنتخبات وليس الأندية، عن إحياء منافسة اللاعب المحلي لابن جلدته، لتحيا كرة القدم السعودية .. عن الإبقاء على وصف المسابقة القديم "الدوري السعودي للمحترفين"، بدلاً من الذهاب به ليصبح "الدوري الأجنبي للمحترفين".