|


فهد عافت
هجاء!
2017-07-01

 المُقلِّدُ في الأدبِ قليل أدب!، تذوبُ وقاحته في جُبْنِهِ، و فطنته الوحيدة في تقديم هذا الجُبن على هيئة لطافة!، و لأنها فطنة مزوَّرَة، سُرعان ما تنكشف مع أوّل هزّة مُصارحة، سواء لبِسَتْ هذه المُصارحة ثوب التوجيه، أو أَخَذَتْ شكل النقد، أو تشكّْلَتْ على هيئة المَلامة، أو حضرتْ دون هيئةٍ وزيّ، كما هي، مُصارحة فحسب!، لا يتحمّلُ المُقلِّدُ وقْعَها، يُقَدُّ قميص اللطافة مِن قُبُلٍ و مِن دُبُرٍ و مِن كل جانب، و تتساقط الأزرار و الأسرار، فليس أوقح، و لا أكثر فجاجةً و لا لجاجةً مِن مُقلِّدٍ يُكشف له أنه كُشِف!.

 

ـ في أوّل الصِّبا، و الطِّينة لم تتشكّل بعد، طريّةً ما تزال، لا يكون اتّباع الأثَر تقليداً، و إنما تعلّماً، و التعليم يستوجب التّأثّر، و لأن الإنسان لا يُكرم نفسه إن هو توقّف عن التعلّم، فإنّ وجود المؤثِّر فيه، شرط إبداع و دليل حيويّة، غير أن الفرق بين المتأثِّر و بين المُقلِّد يتّسع مع تقدّم العمر، وأوضح علاماته الكثرة و التنوّع!.

 

ـ المُقلّد لا تتنوّع إعجاباته، و لايتكاثر شغفه، يفتح عينيه و يغلقهما على نموذج واحد، وفيٌّ مثل كلب!، و لذلك يكون نباحه أشدّ ما يكون على صاحبه إنْ هو تبرّأَ منه!، و حتّى إن سَكَتَ سيّده و أخفى تململه منه، تكفي غمزةٌ أو لمزة من أي طرف ثالث، يُشير بها على المقلّد، ساخراً من حالة الوفاء هذه التي يخون فيها المرء نفسه بحجّة الإخلاص لسيّده، حتى يكفُّ المقلِّدُ عن هَزّ ذيله و يبدأ النّباح!.

 

ـ لسانُ المُقلِّد ليس سوى ذيل!.

 

ـ و يا للمأساة و يا للخزي: كلّما كان المُقلِّد جيّداً، كان سيّئاً!.

 

ـ التأثّر شيء آخر، أمره كريم، و هو أخفّ ظِلّاً و روحاً من الواجب، إنه حق!، و هو حق لا يجب التنازل عنه أبداً، ولا يتأثّر إلا مُحِبّ، و لا يؤثِّر إلا مُشَوِّق، التشويق أرض و سماء الجمال و الفن و الأدب!.

 

ـ للمُتأثِّرِ أكثر من صديقٌ، و للمُقَلِّدِ سَيَّدٌ فَحَسْب!.

 

ـ هنيئاً لمن يتأثّر، أمّا المُقلد فيستأهلُ الشتيمة، خاصّة ذلك الذي يكشف عبر تقليده عن وجود موهبة حقيقية لديه، لم يخذلها سواه، و لم يقصّ أجنحتها سواه!.

 

ـ ضعيف الموهبة، أكرم من المُقلِّد!، ذلك غير المُمسِك بأدواته باقتدار، لكنه يحاول بما لديه التعبير عن نفسه من خلال لون أو موسيقى أو كتلة أو كلمة، أطيب من المُقلِّد، و أحق منه بالتقدير و الاحترام، مهما امتلك المُقلِّد من قُدرات، و بالذات حين يمتلكها!.

 

ـ حتى المُهرِّج، مُهرِّج السيرك، أكرم من المُقلِّد، فهو لا يخدع نفسه و لا غيره، بل يتعامل مع موهبته وأدواته بوضوح وشفافية ودون عُقَد، مُهرِّج السيرك إذ يُقلِّد، فإنه يتعامل مع التقليد كفنّ تسلية: فن تقليد الفن!.