|


أحمد الفهيد
حكام لـ"الشتائم".. حكام بـ"المجان"!
2017-08-26

مستاء أنا جدًّا من البطاقة الحمراء، التي أشهرت في وجه اللاعب البرتغالي "المعجزة" كريستيانو رونالدو، في مباراة ذهاب السوبر الإسباني لموسم 2017 ـ 2018، أمام اللدود برشلونة، وانتهت بثلاثية مدريدية فائقة الجمال، رائقة الجُمل الفنية، التي لا يكتبها في الملعب ببراعة لا تُقلد إلا نجوم  الفريق «الملكي» ريال مدريد، ومدربهم الزاخر بصناعة المتعة في كرة القدم زين الدين زيدان.

 

مستاء ليس لأن الضحية هو نجم الفريق الأسطوري، لا، فقد طُرد من الملعب تسع مرات قبل هذه المرة.. حنقي سببه أن البطاقة لم تكن عادلة أبدًا، رفعها الحكم في وجه أفضل لاعب في العالم؛ بسبب تقدير خاطئ جدًّا، نتج عنه قرار ظالم، كاد يعصف بالفرحة، ويهيج في المعدة القرحة، بدلاً من أن يهيج في الروح القريحة، فتتلو بيانها الساحر شعرًا ونثرًا.

 

مستاء أنا أيضًا من القرار الانضباطي اللاحق الذي منع المهاجم "الأشبه بألماسة نادرة"، من ارتداء قميص فريقه أربع مباريات متتالية؛ لأنه دفع حكم المباراة احتجاجًا على إبعاده.. مستاء ليس لأن الحُكم جائر، لا بل هو عادل تمامًا، أقصد أن يعاقب هداف البرتغال التاريخي بالإيقاف مرة أخرى، استيائي سببه أن الحُكم كان عنيفًا جدًّا، صحيح أنه مكتوب بنصه هذا في اللائحة، لكنه بُني على باطل!

 

مستاء جدًّا، لكنني في الشق الآخر من عقلي، حيث لا يُسمح للقلب بالدخول، وتُغلق كل النوافذ المُطلة على نهر العاطفة، أَجِد أن هذا القرار العنيف له ما يبرره، وما يتيح اتخاذه بهذا القدر من القسوة.

 

أراد اتحاد كرة القدم الإسباني أن يستغل هذه الحادثة، ليقول إن القانون أهم وأكبر من الجميع، وحين يكون الطرف المتضرر حكمًا، فإن العقوبات يجب أن تُنفذ بحذافيرها، وأن تُغلَّظ إن صار في المجال متسع لذلك.

 

أراد اتحاد الكرة الإسباني التأكيد على أن حكام المباريات «مقدسون»، نعاملهم كما يُعامل القضاة في المحاكم، ونثق فيهم وفي «قراراتهم  لحظة اتخاذها» ثقة عمياء.. ليسوا موضع شك أبدًا، ولن يكونوا كذلك، ولن نوافق على أن تُمس هيبتهم، أو يُخدش احترامهم.

 

يخطئون؟!.. نعم، لكنهم لا يتعمدون ذلك، يُعَاقَبون؟!.. نعم، لكن بيد القانون، لا بيد لاعب أو بلسانه!

 

كان إيقاف "محطم الأرقام القياسية" قاسيًا جدًّا، لكنه بالنسبة للجنة الانضباط الإسبانية، كان فرصة عظيمة لتلقين الكل درسًا في احترام الحكام، إنه نوع من الحماية الشديدة التي يقدمها اتحاد الكرة لقضاتها، شكل من أشكال الدفاع عنهم، طريقة صحيحة تمامًا لإعلامهم أنهم محل الثقة البالغة، وأنهم ليسوا في دائرة الشبهات.

 

في كرة القدم السعودية، الأمر مختلف جدًّا، إذ إن اتحاد اللعبة، لا يعطي الحكام المكافآت التي يستحقونها، يبخسهم قدرهم، ثم إنه لا يهتم أبدًا بحصولهم على هذه المستحقات، إنهم يقودون المباريات "مجانًا"، مضت سنوات وأموالهم في ذمة المجهول!

 

اتحاد اللعبة السعودي يخاف من رؤساء الأندية أكثر مما يخاف على التحكيم، ولهذا يبعد الحكام السعوديين عن المواجهات الكبيرة والمهمة، ويأخذ منهم حق قيادة المباريات النهائية.

 

وفي الوقت الذي يحظى فيه الحكام السعوديون بتقدير وثقة الاتحادات القارية، والاتحاد الدولي، فإن اتحاد كرة القدم في بلادهم السعودية، ولشدة احترامه لهم، لا يثق بهم!

 

يستشيط غضبًا اتحاد كرة القدم السعودي حين يُساء إلى رئيسه، أو يُشكَك في نزاهة أعضائه، أو يُتهم بالفساد، فتقرر لجنة الانضباط التي تعمل تحت أمر الرئيس "وبسرعة فائقة، قد تسبق سرعة رصاصة" إيقاف المسيء عامًا، وتغريمه، ومنعه من دخول المنشآت الرياضية "فعلتها مرتين، مع رئيسين شبابيين"، لكنها لم تفعلها أبدًا مع رئيس أساء إلى حكم واتهمه بالتواطؤ، وقال علانية إنه "مرتشٍ"!

 

"يغضبون" في اتحاد القدم السعودي حين يتعلق الأمر بإهانة سمعتهم، فيهوون بسيف القانون على رقاب المذنبين، لكنهم «يغضون» البصر والبصيرة، حين يتعلق الأمر بإهانة سمعة الحكام.

 

مصيبة كبيرة أن يصبح القانون وسيلة للانتقام، ومصيبة أكبر أن يصبح الخوف من "الكبار" سببًا في تعطيل هذا القانون!

يتبع...