|


د. سعود المصيبيح
السفهاء
2010-12-30
أصعب امتحان للنفس أن تكون ذا أخلاق وقيم ومبادئ ولك قيمة تعرفها ويعرفها جميع المنصفين حولك، ثم تصاب في أن تكون في موقع أو مواجهة مع سفيه جاهل أرعن فاقد للقدرة والإمكانية، فيكون امتحاناً لصبرك وطول بالك لأنك بين أمرين، إما أن تنزل لمستوى هذا البليد وتستخدم أدواته التي بلا أخلاق ولا أدب ولا سلوك طيب، أو أن تغض النظر وتكظم غيظك وتترك للعقلاء المجال لتوعيته ووضعه في المكان المناسب له وإيقاف تماديه وبذاءة أسلوبه.. ولاشك أن المنهج القرآني القويم حثنا على ضبط النفس وطلب منا عدم الغضب، كما وجهنا رسول الهدى ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ بأن القوي هو الذي يملك نفسه عند الغضب.. كما أن الله سبحانه وتعالى أمرنا بأن يكون ردنا على الجهلاء والسفهاء بأن نقول سلاما لإغاظتهم أكثر والترفع عن مستواهم السيئ. وحتى عندما تطلب محاورتهم بأدب لحل أي إشكال قد ينشأ تجد أسلوب الأطفال في الانتقام والعدوانية والهروب من المواجهة والحوار، لأنهم أبعد ما يكونوا قادرين على الحوار والنقاش وتوضيح الصورة وحل أي إشكال عن طريق تبادل الرأي وتداول المشورة.. ولاشك أن الكثير من الأرفع قيمة ومكانة يقعون في حياتهم في مواقف يكونون فيها بدون رغبتهم في أماكن عمل وإنجاز مع السفهاء والجهلاء الذين يقلونهم بكثير أخلاقاً ومكانة وأدباً، وهنا ليس عليهم إلا الصبر على أذاهم وتجاهلهم لأن الصبر على كيد الحسود قاتل له كالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله، وبطبيعة الحال لابد للحليم من موقف ولابد من النبيل من تصرف يؤدب هؤلاء الصغار ويعيدهم إلى رشدهم.. ويقول لي زميل له مكانته وعطاءاته واحترام الناس له بأنه وجد نفسه بين مجموعة من الصغار السفهاء والجهلة وحاول معهم بالحوار والأدب واللطف والتواضع ولكنه وجدهم يتمادون في غيهم وضعف أنفسهم وبلادة سلوكهم، وأضاف أنه لا يرضى لنفسه بالنزول لمستوى هؤلاء خصوصاً وأن الأعمال التي تجمعه بهؤلاء السفهاء تحكمها المصلحة العامة والإنتاج البشري العام وهو يثق بعقلاء متزنين يعرف أنهم سيتدخلون في الوقت المناسب بعد أن يكتشفوا الواقع الذي ترفع عن الدخول في إطار الشكاوى مع هؤلاء لأن السفيه يؤذيك بمجرد أن تنزل لمستواه، ولا شك أن الكثيرين يواجهون أمثال هؤلاء والتعامل بشموخ وعزة ورفعة وأدب مع تجاهل إساءاتهم وسلوكهم السيئ لأن الباقي هو أن الشمس لا يمكن أن يحجبها غربال، ولن يصح إلا الصحيح مع جميع أشكال السفاهة والجهالة.