|


د. سعود المصيبيح
نايف رجل المواقف
2011-11-01
كم من المواقف العظيمة في هذه الحياة تستوقفنا وتجعلنا نفكر بها وبمن كان وراءها، بعضها قد تقشعر لها الأبدان والبعض قد تتأثر بها النفس البشرية وتبقى مطبوعة في ذاكرة التاريخ.. ومن هذه المواقف الرائعة مواقف الإنسان والأمير نايف بن عبدالعزيز (حفظه الله ورعاه) مع أسر شهداء الواجب، ومنها أنه كان حفظه الله) يريد زيارة أسر شهداء الواجب وتقديم واجب العزاء لهم، فكانت أسرة العميد عبد الرحمن الصالح (رحمه الله)، وأسرة إبراهيم المفيريج (رحمه الله)، وأسرة وجدان التي قتلت في تفجيرات المرور (جعلها الله شفيعة لوالديها)، وأسرة الرائد إبراهيم الدوسري (رحمه الله).. وكنت حينها مديرا عاما للعلاقات والتوجيه في وزارة الداخلية، وعندما تم البدء في ترتيب الزيارة كانت المنازل متباعدة، فإحدى الأسر كانت في أقصى الشرق في حي المصيف، والأخرى في أقصى الشمال في حي حطين، وأسرة وجدان كانت في حي العريجاء، وأسرة أخرى في حي العزيزية في جنوب الرياض، فقلت لسمو الأمير بأن الأماكن متباعدة وأعتقد أن الوقت ضيق، فقال: لابد لي من زيارة هذه الأسر، لأن هؤلاء الأبطال قدموا لدينهم ولوطنهم الكثير، وهي رسالة للذين يريدون الإساءة لهذا الوطن، وأن من واجبنا أن نشارك في عزائهم. وبدأنا نرتب من وقت العصر، وكان وقت سموه مزدحماً جدا في الوزارة ولديه اجتماعات ولجان، فخرج موكب سموه من الوزارة بعد العصر إلى أسرة العميد الصالح، وقابل والده وإخوانه وقدم التعازي. ثم توجهنا إلى أقصى الشمال، وقدم سموه التعازي لأسرة المفيريج، وكان جد الشهيد كبيرا في السن وتأثر بزيارة الأمير وبكى، وهي صورة أتذكرها حيث صورها المصور التلفزيوني وأصبحت تتردد كثيرا في البرامج والأحداث عند ذكر الشهداء، وقد أقيم جامع كبير على نفقة سموه باسم المرحوم إبراهيم المفيريج بالقرب من مقر سكنه. ثم انتقلنا إلى العريجاء لأسرة وجدان، ودخل على أسرة الطفلة وجلس مع والدها وإخوانها واحتضن بنت أختهم الصغيرة حديثة الولادة وهذه الصورة نشرت في الصحف والمجلات، وكان الأمير حريصا على زيارة أسرة وجدان رغم صعوبة ذلك وأثرت فيهم الزيارة كثيرا. وبعدها انتقل إلى منزل الرائد إبراهيم الدوسري في أقصى جنوب الرياض وقابل والده وإخوانه واحتضن أولاده وكان وقتها الساعة 11 ليلا. فهذه مواقف إنسانية عظيمة تدل على إنسانية هذا الرجل العظيم وحرصه على مواطنيه، حيث ظل لساعات طويلة يتنقل بين الأسر ليعزيهم ويشاركهم أحزانهم ويقدر تضحيات أبنائهم، وكان لهذا أثر كبير على هذه الأسر.
وطبعا كل من قرأ سيرة الأمير نايف في الأحداث التي كانت في الحج أو أحداث العليا أو غيرها، تجده واضحا في موضوع الإرهاب وهو من أوائل الناس الذين كتبوا وتحدثوا في موضوع الأمن الفكري، فأمن الفكر لايواجه إلا بفكر، وكان يحذر من اختطاف العقول. وكان عبر منظومة وزراء الداخلية العرب تم إصدار عدة اتفاقيات كانت تخدم المواطن العربي، ولهذا لم يكن غريبا أن يكون مجلس وزراء الداخلية العرب هو أفضل مجلس عربي في التعاون الأمني بين الدول العربية، لأن وعي الأمير نايف وحرصه على التعاون الأمني العربي كان وراء ما حققه مجلس وزراء الداخلية العرب من نجاح وتقدم وازدهار، كون سموه الرئيس الفخري لمجلس وزراء الداخلية العرب وقائد منظومته.