|


د. محمد باجنيد
جنة ناصر
2009-04-24
أحب القصيم وأهلها الطيبين.. أطرب لحديثهم حينما (يحسون).. وأسعد بمرحهم عندما (يمرحون)..
آخر من تعرفت عليه من (القصمان) - كما ينعتهم الناعتون - رجل جميل اسمه إبراهيم الزعاق.. خرجت معه يوماً في رحلة اصطحبنا فيها الأهل والأولاد إلى حديقة (ستراتيكلايد) الشهيرة التي تبعد عن (جلاسكو) قرابة الخمسة عشر ميلاً، فطاب لنا المقام وبقينا إلى ما بعد الغروب حتى ظننت أن أبا عبد الحكيم قد أراد أن يريني (سهيلاً) مستفيداً من علم أخيه الفلكي المعروف الدكتور خالد الزعاق، ولكن صاحبي أخذني في عالم الحكاية الجميل لننسى الزمن وتمر الساعات بلا كلل ولا ملل.
للحكاية حظوة عند هذا الصيدلي الموهوب يداوي بها كثيراً من أسقام هذا الزمن المادي البائس.. يعالج بها أمراض الوجوم والكآبة.. ولا بد لمن يستمع إليه أن يفتح أذنيه ويضحك حتى تدمع عينيه!
قال لي - ونحن نحتسي شاياً أخضر على الحطب المشتعل أمامنا - وقع حادث لـ (شائبين) وهما في سيارة وبعد أن نقلا إلى المستشفى، أفاق الأول ويدعى (ناصر) ففتح عينيه في تثاقل ليجد نفسه فوق سرير أبيض وفوق رأسه وقفت ممرضتان بلباسهما الأبيض المعروف تنظران إليه مبتسمتان.. خرج ناصر من غيبوبة الحادث ودخل في غيبوبة جديدة.. (يا زين الجنة).. أخذ يرددها كثيراً قبل أن يتذكر رفيقه عبد العزيز أو (عزيّز) كما اعتاد أن يدعوه.. راح يسأل عنه، ثم عاد يقول لمن حوله مستدركاً مستحضراً تاريخ صاحبه العزيز: (عزيّز لا يمكن أن يكون هنا).. ولكم أن تأولوا كلام (ناصر) لتعرفوا أين ذهب (عزيّز)!
رحم الله (عبد العزيز) كان في ثلاجة المستشفى فيما كان (ناصر) يظنه محروماً من جنة ينعم فيها مع الناجين مثله من حوادث السير على سرر بيضاء متقابلة.. فيما حورياته من الممرضات يملأن المكان وعلى رؤوسهن التيجان!
(يا زين هالسواليف) يا إبراهيم.. العتب ليس فقط على النظر يا صاحبي.. ما أكثر من يشبهون ناصر.. ليس في خياله البسيط وتشكيله المحدود لجنته المزعومة وإنما في تعديه وأحكامه المشؤومة!
وأظلمت السماء فقلت لصاحبي: (يا الله.. قوه.. بوه سكارى هنا) هذا وقتهم.. وتركنا المكان فالليل هنا ليس كالليل عندنا.
إنها واحدة من حكايات الرحلة الأولى.. أكتبها على طريقتي مستلهماً ذلك السرد الجميل بتلك اللهجة (القصيمية) الحلوة لصاحبي الصيدلي (الحكيم).. أمير الأنس والفرفشة.. من يدري لعلها تكون الحكاية الأولى من ألف حكاية وحكاية!