|


د. محمد باجنيد
سلبيون وعدائيون
2009-06-19
فكرت كثيراً وأنا أقف في كل مرة محاولاً تفسير هذه التداعيات التي نشهدها في كثير من مناحي الحياة فلم أجد أشد فتكاً بنا من (السلبية) و(العدائية).. وحتى أكون منصفاً لا بد أن أضيف للأخيرة صفة (الوقتية).. أي أن هذه العدائية لا تدوم طويلاً وتزول بزوال المؤثر.. وتغيير الظروف والأحوال الاجتماعية ولن أقول المصالح المادية.. لأن العربي – كما تعلمون – لا يرضى (الإهانة).. وقد يبيع الجمل بما حمل إذا وصل الأمر عند (الكرامة).
سلبية الإنسان العربي تظهر في استسلامه وعدم إصراره في المطالبة بحقوقه.. يخضع الأمور دائماً للعلاقات الشخصية والاجتماعية.. يخشى من كلام الناس فلا يطالب بما يراه حقاً حتى وإن لحقه الضرر!
وللعدائية عند العربي علاقة وثيقة بالسلبية.. إنها تمثل تفريغاً لسلبيته.. نراها تكبر وتكبر وتتضخم لتمثل مشكلة جديدة كان يمكن أل
ا يكون لها وجود لو تخلى عن سلبيته وبادر بالحديث عما يزعجه، وطالب بما يراه حقاً! إنها الخطوة الأولى المهمة لإيجاد حوار مفتوح.. يقدم فيه كل طرف رأيه بصراحة ولباقة.. ودونما تجريح أو فرض رأي على الطرف الآخر.
العدائية كتفريغ للسلبية باتت مشكلة تعكس جانباً من عدم الثقة في النفس، وانهزامية في مواجهة المواقف، وستظل تلحق ضرراً كبيراً بالمصالح العامة.
الشخصية السلبية والعدائية عند الإنسان العربي تبدو انعكاساً لما تجرعه في المدرسة من أساليب قمع راح يهرب منها بالاستسلام.. ويفرغها بالحديث في عدائية بعيداً عن أسماع معلميه!.. إنها - إذاً - قضية تربوية تحتاج إلى معالجة في المدارس، من خلال معلمين قدوات يؤمنون بالحوار والنقد.. ويطالبون الطلبة والطالبات بالتعبير عن آرائهم في كل شيء في إطار تربوي يوازن بين المصالح والأضرار!
ابنتي نور أراها أكثر أخواتها جرأة في المطالبة بحقوقها.. والأمر ببساطة يعود إلى أنها جاءت إلى اسكتلندا وهي في الثالثة من عمرها، فبدأت مشاورها العلمي في المدارس الغربية التي زرعت فيها قوة الشخصية والاعتزاز بالرأي والمطالبة بالحقوق دون خجل أو خوف.
نعم.. الغربيون وضعوا حداً للعدائية عبر منهج سلوكي يدعمه النظام بقوة تضمن لكل ذي حق حقه ليتخلى الأفراد عن سلبيتهم ويطالبوا بحقوقهم فترى أمامك مشاهد أخلاقية حققتها المصالح فيبدو الإنسان الغربي في صورة مثالية تدفعنا للحديث عنها بإعجاب واندهاش!
ولأني أعرف حال القوم بعد أن عاشرتهم ليس (ثمانين يوماً) بل أكثر من ست سنوات أقول : إن هذه المظاهر الجميلة لا تعبرعن سجايا حميدة يتميزون بها عنا.. ولكن السلبية هي التي رمت بنا إلى القاع وأهدت إلينا عدائية لا تليق بنا!