|


د. محمد باجنيد
أبو شعيب والإبر الصينية
2009-06-26
لا أدري متى اكتشف الصينيون (الإبر الصينية).. تلك التي أثبتت التجارب قدرتها في علاج كثير من الأمراض.. هل تراهم سبقوا (أبا شعيب) الطبيب الشعبي في حي (البساطة) في مدينة (جدة)؟.. ذلك العجوز الهزيل ضعيف البصر الذي ذهبت إليه برفقة اثنين من الأصدقاء بعد أن نفدت بي السبل واستمرت الشكوى من داء (الصفاق).. علة تصيب الرياضيين أعلى الفخذ.. ولأنني كنت لاعب حواري محترف فقد أصر صديقي صاحب الفكرة على أن العلاج – بحول الله – سيكون على يد (أبي شعيب)!
تذكرت (أبا شعيب) حين ذهبت لأحد المراكز الطبية الصينية القليلة هنا في (جلاسكو) لأرى تلك (الإبر الصينية) عياناً بياناً ولأول مرة ولأشاهد كيف يتم وخزها في الجسم في أماكن محددة تسمى (نقاط الأعصاب).
المهم أنني جربت إبر الصينيين فوجدتها لا تختلف كثيراً عن إبر أبي شعيب، فيما عدا أن إبر مواطننا كانت أكثر سمكاً وتنتهي برؤوس كروية ملونة.. أذكر أنني شاهدت مثلها عند (أمي).. كانت تستخدمها لربط (البقش) جمع (بُقْشَة) بضم الباء وتسكين القاف وفتح الشين.. وهناك فرق بسيط آخر هو أن إبر الصينيين محفوظة داخل أغلفة لكي تبقى معقمة.. ويتم استخدامها لشخص واحد ثم تُرمى، بينما إبر أبي شعيب يتم استخدامها مراراً وتكراراً، وهي تنتشر حوله في الحجرة.. ربما ليسهل عليه الوصول إليها عطفاً على ضعف النظر الذي يعاني منه!
وجلست بين يدي طبيبنا المبتكر أبي شعيب.. وطلب مني أن أكشف عن منطقة الإصابة، ثم طلب من رفيقي إمساكي فأدركت أن الأمر لن يكون سهلاً، ولم يكن بوسعي التراجع.. وكلت أمري إلى الله، وبدأ (العجوز) يغرز الإبر واحدة تلو الأخرى، وأنا أتأوه مع كل وخزة، والرفاق يضحكون.. فانتابتني موجة من الضحك رغم شدة الألم المنبعث من تلك المنطقة الحساسة في الجسم!
وانتهت العملية بسرعة ووجدت نفسي ألملم ثيابي وأولي خارجاً على عجل دون أن أتفوه بكلمة شكر أو حتى سلام للرجل، والرفاق خلفي يضحكون في جنون.. وأنا أشاركهم دون اكتراث بما سيؤول إليه الحال.. قبل أن يخبرني صاحب الفكرة بأن أحد عيال الحارة قد ذهب إلى أبي شعيب ماشياً، وعاد محمولاً!
وتوقف ضحكي، وبدأت أتحسس مكان الوخز وشعرت بألم حاد، وبقيت قلقاً قبل أن تتحسن الإصابة وتزول العلة بعد أقل من شهر.