|


صالح الصالح
(وين العدالة يا حكم؟)
2012-10-25

يقول الكاتب الأورجوياني الشهير إدواردو جاليانو في كتابه الجميل (كرة القدم بين الشمس والظل) في وصف حكم كرة القدم: "إنه الطاغية البغيض الذي يمارس ديكتاتوريته دون معارضة ممكنة، والجلاد المتكبر الذي يمارس سلطته المطلقة بإيماءات أوبرا، الصفارة في فمه ينفخ رياح القرار المحتوم، ويمنح الأهداف أو يلغيها، البطاقة في يده، يرفع ألوان الإدانة: الأصفر لمعاقبة المذنب وإجباره على الندم، والأحمر يلقي به إلى المنفى، خلال أكثر من قرن كان الحكم يرتدي لون الحداد. على من؟ على نفسه. أما الآن فإنه يخفي حداده بالألوان". هذه الفلسفة يصدقها الواقع لذلك ظل التحكيم القضية الشائكة التي لا هدنة معها من قبل اللاعبين والإداريين والجماهير، ولا توجد بوادر هدنة لأن صوت الصافرة لن يتوقف. في بدايات الكرة لدينا كانت المدرجات تتعامل مع أخطاء الحكام بالأهزوجة الشهيرة التي يرددها مدرج الفريق المتضرر بأكمله: "وين العدالة يا حكم" في محاولة للتأثير على قرارات الحكم، ونوع من العقوبة الجماهيرية الفورية، وظلت هذه المحاولات متواصلة قبل أن تتغير العبارات. قبل عقد ونصف كان الرمز الرياضي الكبير الراحل الأمير عبدالرحمن بن سعود ـ رحمه الله ـ يطالب بإصدار قرار يقضي بأداء حكام كرة القدم القسم قبل الدخول في سلك القضاة الكرويين، هذه المطالبات المشروعة والمعتبرة لم تجد حينها آذاناً صاغية، وقبل مواسم قليلة تكررت المطالبات ذاتها من قبل المشرف العام على كرم القدم بنادي النصر طلال الرشيد سابقاً، وكانت النتيجة "لم يستمع أحد". أعتقد أن حجم الأخطاء في كرة القدم السعودية، وبصافرة محلية خالصة، لم يعد يستدعي الاستعانة بحكام أجانب فقط ـ مثلما هو معمول به حالياً ـ بل تعداه إلى المطالبة بتأهيل جيل تحكيمي قوي، واثق من قدراته، لا يتأثر بما يكتب عنه، ومتميز لياقياً وقانونياً، وأضيف عليها أداء القسم مع الإشارة إلى ذلك الإجراء لا يدعو بأي حال من الأحوال إلى التقليل من نزاهتهم أو التشكيك في ذممهم، ما دمنا نردد دائماً أن لدينا خصوصيتنا. وأرى أن قرار من هذا النوع ـ إن تم ـ سيفرض على كافة مسؤولي ولاعبي الأندية التزام الصمت تجاه التحكيم، وأداء قضاة الملاعب، وسيعزز سلطة لجان الاتحاد السعودي لكرة القدم في إيقاع عقوبات مغلظة تجاه أية تجاوزات تجاه الحكام. المتأمل في أداء الحكام محلياً يجد كوارث تصنف على أنها من فئة الكبائر الكروية، حتى والقيادة الرياضية تمنحهم الدعم الكامل، والمعسكرات الخارجية لكن النتيجة "لم ينجح أحد"، ومواجهات الجولات الماضية من الدوري وتحديداً في آخر جولتين نماذج بسيطة على تردي مستوى التحكيم. كما أن الاجتماع الشهري للحكام أرى أنه يضيف المزيد من الضغوطات بشهادة أحد الحكام الشباب الذي أسر لي شخصياً بذلك، إضافة إلى مقيم الحكام والحكم الدولي السابق عبدالرحمن الجروان الذي يطالب بإلغائه لأن ضرره يتجاوز نفعه، ويسهم بشكل غير مباشر في تضاعف أخطاء الحكام خوفاً من النقاش في هذا الاجتماع. أخيراً ليس هناك من ضرر في حال تم إقرار أداء الحكام القسم قبل الحصول على الشارة، لأن الحكم الذي يراعي ربه، الواثق من قدراته، الذي لا تربطه علاقات قوية برؤساء الأندية ومسؤوليها تصل حد الاستضافة في المجالس الخاصة، لن يجد أدنى حرج أن يردد وبكل ثقة وإيمان، وهو يحمل نسخة من القرآن الكريم: "أقسم بالله العظيم أن أكون مخلصاً لبلادي ومليكي، وأن أراعي مرضاة ربي في عملي، وأن أحكم بالعدل ولا شيء سواه، والله على ما أقول شهيد".