|


صالح الصالح
(لاماسيا العريجاء)
2012-09-18

في السبعينيات من القرن الماضي كانت الكرة الهولندية هي الأفضل والأكثر إمتاعاً على الإطلاق في ظل تطبيقها لمفهوم الكرة الشاملة للمرة الأولى، وهو المفهوم الذي أسسه وقدّمه المدرب الهولندي الشهير رينوس ميتشيلز مع أجاكس الهولندي وتحديداً في عام 1976 في مونديال ألمانيا. في عام 1979 قرر برشلونة استنساخ تجربة نادي أجاكس الهولندي في اكتشاف المواهب عن طريق مدرسة "لاماسيا كاتالونيا" التي كانت تستوعب 60 متدربا فقط. في 1988 قدّم الهولندي الشهير يوهان كرويف مقترحاً إلى رئيس نادي برشلونة حينها خوسيه لويس نونيز ينص على تطبيق تجربة أجاكس وتطويرها بحيث يتم اكتشاف وتدريب المواهب في عمر صغير، وتدريبهم على الاستحواذ على الكرة ودقة التمرير، والاستمرار في الاهتمام والعناية بهم حتى يصلوا إلى الفريق الأول. هذه التجربة أثمرت قائمة من النجوم الفاخرة باتوا الأكثر قدرة على أكل الأخضر واليابس كروياً، من حيث الألقاب المقرونة بطريقة لعب تحولت إلى المثل الأعلى في عالم كرة القدم. فلسفة برشلونة من خلال هذه المدرسة ترتكز على صناعة النجوم وليس شرائهم، ومن ثم الاستفادة منهم في الفريق الأول أو إعارتهم لفرق أخرى، في هدف معلن اقترب من التحقيق بحيث يكون جميع لاعبي برشلونة في الفريق الأول من خريجي مدرسة "لاماسيا كاتالونيا"، ولعل الأسبوع المنصرم شهد حدثاً تاريخياً للبرشا الذي بدأ مواجهته الدورية الرابعة في مدريد أمام خيتافي بقائمة رئيسية تضم 10 لاعبين من خريجي المدرسة باستثناء أدريانو الذي حل بديلاً عن جوردي ألبا المصاب الذي لو سمحت ظروفه الصحية للمشاركة لكان أساسياً، وحينها ستكون قائمة كاتالونية خالصة تسر أنظار مسيري وجماهير برشلونة. المتتبع لأهم أسماء خريجي لاماسيا خلال العقد الأخير يلحظ أنهم لا يشكلون فقط العمود الفقري للنادي الكاتالوني المتوج بلقب دوري أبطال أوروبا في 2009 و2011 بل إنهم أيضاً العمود الفقري لإسبانيا المتوجة بلقب كأس العالم الأخيرة 2010 إذ ضمت قائمته 9 لاعبين من خريجي لاماسيا لعب منهم 6 ـ 7 لاعبين كأساسين، وبالتالي مدرسة لاماسيا خدمت برشلونة والمنتخب الإسباني على حد سواء، كما أن 2010 شهد هيمنة نجوم لاماسيا على جائزة كرة (فيفا) الذهبية بعد حصول كل من ميسي وتشافي وإنيستا على المراكز الثلاث الأولى. كل ما حدث كان عبارة عن فكرة تم تسليمها لأصحاب الاختصاص المؤهلين، ومن ثم وجدت عملاً مستمراً، ودعماً كبيراً، وصبراً مضاعفاً، والمحصلة منجزات لا تتوقف، وإمتاع لا يتكرر. في كرتنا المحلية ما يحدث هو عبارة عن أحلام بل هي مرحلة أقل من ذلك، وتحولت إلى أضغاث أحلام، إذ لا يوجد ناد لديه رؤية واضحة لخمسة أعوام مقبلة فضلاً عن ضعفها، ربما أن بعض الأندية لديها حرص في جانب الاهتمام بالنشء وصقل مواهبهم، وتدريبهم لكن ما يحدث هو عبارة عن محاولات لا تخلو من اجتهادات، ومزاجية رؤساء الأندية أو المشرفين على هذا القطاع الهام والمهمل. القضية ليست توفير ملاعب تدريب، أو الاهتمام بنوعية الغذاء أو مرافق خاصة، إنما بوجود رؤية يطبقها أجهزة فنية متخصصة ذات كفاءة عالية لكن كل ذلك لم يحدث، ويبدو أنه لن يحدث في ظل ثقافة مدربين اعتادوا رمي الكرة لصغار السن ليلعبوا، والانشغال عنهم بالجوال لحين نهاية الحصة التدريبية، و"يا قلب لا تحزن".