|


عبدالله الضويحي
التحكيم ..عودة للمربع رقم 1
2012-01-17
قبل ما يزيد عن ثلاثين عاما، وفي جمع من زملاء العمل والأصدقاء قال أحد الحكام الدوليين آنذاك وكنت أحد الحضور.. ما معناه:
“إذا سقط أحد اللاعبين داخل منطقة الجزاء وكنت بعيدا عن الحادثة أو لست متأكدا من القرار أطلق الصافرة دون أن تؤشر وانطلق نحو مكان الحادثة، وخلال هذه الفترة أنظر إلى وجوه اللاعبين من الفريقين وأقرأ ردود الفعل لديهم، وعلى ضوء ذلك أتخذ القرار إما ضربة جزاء أو خطأعلى المهاجم أو ضربة مرمى إن خرجت الكرة.”
هذا الكلام لقي استهجان الزملاء في ذلك الوقت ولازال محل تندرهم وتعليقاتهم إلى يومنا هذا عندما تحصل حادثة معينة أويأتي ذكر ذلك الحكم.
تذكرت هذه المقولة مساء الأربعاء الماضي عندما أخطأ الحكم (دولي الصالات) مطرف القحطاني في عدم احتسابه ضربة جزاء لصالح الهلال في مباراته أمام التعاون بعد أن أعيق لاعبه نواف العابد داخل منطقة الجزاء, وهو الخطأ الذي اتفق الجميع حوله وربما للمرة الأولى وإن اختلفوا على ردة الفعل تجاهه وطريقة التعامل معه.
على أنني سأتناول الحدث أو المباراة في مجملها إذ لايمكن فصل أحداثها ونتيجتها عن بعضها البعض من ثلاثة وجوه:
- التحكيم
- ردود الفعل
- الهلال كفريق أو أداء
الأول:
التحكيم:
كانت المباراة تسير بصورة طبيعية رغم التعادل بهدف لكل من الفريقين حتى الدقيقة 88عندما أعيق لاعب الهلال نواف العابد داخل منطقة الجزاء في ضربة جزاء واضحة لم يحتسبها الحكم مطرف القحطاني –كما أشرت قبل قليل.
مطرف أطلق صافرته وانطلق نحو مكان الخطأ دون أن يشير بيده.. بل ربما أن بداية انطلاقته توحي وكأنه في اتجاه نقطة الجزاء.
وهنا ..
لا أتهم مطرف بأنه تعمد عدم احتساب ضربة الجزاء.. أو تجاهل احتسابها .. أو غض النظر عن احتسابها .. ولا أتذكر طوال مسيرتي الإعلامية على مدى ما يزيد عن ثلاثة عقود أن استخدمت أيا من هذه المصطلحات، ودائما ما أعترض عليها وأتحفظ لأنها تعني الدخول في النوايا وهذا ما أرفضه.. لكنني أشير إلى الخطأ في التقدير أو التردد أو غيرها من المصطلحات.
مطرف في نظري.. ولا أدخل إلى نواياه .. لم يخطئ التقدير، فقد كان على بضع أمتار قليلة من موقع الخطأ وكانت زاوية الرؤية بالنسبة له واضحة.. وخبرته تساعده على معرفة نوع الخطأ ودرجته .. وإن كان مثل هذا الخطأ لايحتاج لخبرة كبيرة لتحديد درجته.
لكنه.. أي مطرف.. خانته الشجاعة ولم يكن جريئا في اتخاذ القرار وهي أبسط مقومات الحكم الناجح وما يجب أن يتصف به.
وبالتالي..
فقد وضع نفسه في موقف كان في غنى عنه لو كان أكثر ثقة في نفسه وقدرة في التعامل مع الحدث ومنح فكره الكثير من الاستقلالية.
مطرف وخلال ثوان قليلة فيما بين إطلاقه الصافرة وإعلانه القرار دخل في دوامة ردود الفعل وتهمة (الفريق المدلل) التي روج لها الكثيرون وسعوا لتأصيلها وتأكيدها وخاف الدخول لهذه الدائرة وصعوبة الخروج منها .. وكانت هذه هي الأكثر تأثيرا على قراره،
وأكاد أجزم لو أن هذا الخطأ وقع في بداية المباراة أو لم يكن له تأثيره على سير المباراة ونتيجتها لما تردد في احتساب ضربة الجزاء، لكن كما أشرت فإن وقوعه تحت تلك المؤثرات كان له دور في اتخاذ القرار.
ولهذا فقد أخطأ في هذا القرار لسببين
أولهما:
وضوح زاوية الرؤيا بالنسبة له وقربه من موقع الخطأ .. كما أشرت قبل قليل.
والثاني:
الحماية التي تم توفيرها للحكم هذا الموسم وموقف لجنة الانضباط الداعم له باتخاذ العديد من القرارات تجاه مسؤولي الأندية وجماهيرها, وهو ما لاحظه الجميع وانعكس بدوره على نجاح التحكيم الوطني هذا الموسم.
ولهذا..
لا أرى مبررا لأن يخطئ الحكم سواء كان مطرف القحطاني أو غيره.
وسواء كان الخطأ في حق الهلال أو غيره من الأندية.. وأعني بالخطأ هنا الخطأ الواضح والكبير مثل هذا الخطأ الذي يدفع النادي ثمنه باهظا.. وهو ما قد يدفعه الهلال.
أما الأخطاء الأخرى التي تخضع لتقدير الحكم أو لزاوية الرؤية وغيرها فهي واردة في عالم كرة القدم ولا اعتراض عليها .. وجزء من اللعب كما يقولون.
الثاني:
ردود الفعل:
وهذه ممكن نتناولها من الجانبين الهلالي وهو الطرف المباشر في الحدث ومن آخرين نظروا إليه من زاوية مختلفة.
أولا:
الجانب الهلالي:
لا أحد يقر ردة الفعل أو التصرفات التي حدثت من الجانب الهلالي.
وإذا كان الهلاليون يبررون هذه التصرفات على أنها ردود فعل نتيجة تراكمات سابقة من قرارات اتخذتها لجنة الانضباط بحقهم مع تجاوزها.. أي اللجنة.. عن أخطاء مشابهة لآخرين.
وأن خطأ الحكم لا يُغتفر وأفقدهم نقطتين ربما دفع الهلال ثمنها غاليا.. قد يصل لبطولة الدوري.
أقول:
إذا كان الهلاليون يرون ذلك, فإننا كمجتمع عام ورياضي على وجه الخصوص وكنقاد أو مراقبين لايمكن أن نقر بهذه التصرفات ولا نقبل بهذه المبررات .. وهو موقف ينطبق على أي تصرفات مشابهة من أندية أخرى وأيا كان مصدر المتصرف وموقعه من النادي سواء الجماهير أو المسؤولين أو اللاعبين .. وكل من ينتمي للأندية.
ورغم إيماني بوجود جماهير مندسة مع جماهير بعض الأندية بهدف الإساءة لها أو لأي أسباب أخرى وهو ما ثبت بالفعل في بعض المباريات، إلا أن هناك أحداثا وتصرفات تحسب على جماهير النادي.
على أننا وفي حالة الهلال يجب أن نفرق بين نوعين من الجمهور وتصرفاتهم وبالتالي تضرر الهلال وعلاقته في الموضوع.
ــ جماهير النادي المتواجدة داخل الملعب والتي تهجمت على الحكم بعد المباراة .. وهذه يجب أن تنال جزاءها على هذا التصرف ولا أعتقد أن أحداً يعترض على ذلك.
ــ الجماهير التي هاجمت الحكم في منزله وما حدث منها.
هذه الجماهير سواء كانت هلالية أو غير هلالية وإمكانية تواجد آخرين معهم استغلوا الفرصة للوصول إلى أهداف معينة أو لم يكونوا .. فإن تصرفاتهم يجب أن تحسب عليهم وتفصل فيه الجهات الأمنية باعتباره تهديدا أمنيا للشخص نفسه أو غير ذلك.. ولأنه وقع خارج نطاق الميدان الرياضي زمانا ومكانا.
وبالتالي لاعلاقة للنادي به ويجب أن لا تحسب مثل هذه التصرفات عليه وإنما على أصحابها.
ثانيا:
الجانب الآخر ..
وأعني هنا ردود فعل الجانب الآخر وهم الذين تناولوا التصرفات التي صدرت بالرفض والتركيزعليها دون نظر إلى الفعل.
والقضية هنا ليست في هذه الردود ورفض التصرفات التي لانختلف عليها، ولكن في إعطاء الموقف أكبر من حجمه وتضخيمه وإدخال أطراف أخرى فيه .. سواء بهدف تأليب صاحب القرار ودفعه لاتخاذ قرارات قاسية وعقوبات أكثر صرامة بحق الهلال أو بهدف الإثارة الصحفية والتسويق البرامجي والإعلامي.
أحد البرامج التلفزيونية استضاف أحد المشايخ الفضلاء وحاول استنطاق رأي أو فتوى من خلاله حول تعدي بعض الجماهير الرياضية على منزل الحكم مطرف القحطاني، لكن فضليته كان أكثرتعقلا ومنطقية عندما أجاب بصورة مقتضبة عن خطأ ذلك التصرف ورفضه دون دخول في معمعة الكرة والرياضة والانسياق وراء أحاديث جانبية .. إلخ
وأعتقد أن كل شخص مهما كانت ثقافته الدينية يدرك تماما حرمة الاعتداء على النفس وعدم مشروعية الاعتداء على الممتلكات أو على الأشخاص أو على منازلهم وأماكن سكنهم ..وبالتالي لا أرى مبررا لمثل هذا السؤال وغيره لعلماء الدين أوطالبي العلم.
وإذا كان الهدف كما يرى البعض التوعية فيمكن طرح التساؤل بصورة عامة كقضية التعصب أو الشغب والتصرفات المرفوضة عند الفوز أو الخسارة .. وغير ذلك من القضايا التي تتعلق بالشباب وتوعيتهم.
إحدى اذاعات الـF.M التي لاعلاقة لها بالرياضة من قريب أو بعيد أو حتى في برامجها.. طرحت إحدى المذيعات ما حصل في المباراة وتحديدا كما قالت تصرفات جمهورالهلال ورميهم للحكم..إلخ
لا اعتراض على طرح القضية ولكن التحفظ على التخصيص وأسلوب التناول فهي ليست الأولى، وهناك مباريات حدث فيها شغب أكثر وكانت أولى بالمناقشة لعل آخرها مباراة الشعلة والهلال في مسابقة كأس سمو ولي العهد.
كما أن طرحها للعامة والاتصالات لا يخدمها ولا يعالج القضية، إذ يفترض في الحالة هذه استضافة متخصصين وأصحاب رأي لمعالجة الموضوع إذا كان الهدف الإصلاح .. وليس مجرد التسويق من خلال الاتصالات والإثارة.
علما بأن:
الحكم مطرف القحطاني لم يكن أول حكم يتعرض لمثل هذه الأساليب ..ولرسائل الجوال.
ولم يكن أول شخص في المجال الرياضي يتعرض أيضا لمثل ذلك.. في ظل مجتمع يفتقد للثقافة العامة وثقافة السلوك ناهيك من الثقافة الرياضية.
وكلنا يذكر ما تعرض له رئيس لجنة الاحتراف الدكتورصالح أحمد بن ناصرعندما تحدث عن قضية لاعب وتسجيله.. إلخ .
وسبق أن تعرضت شخصيا لرسائل تهديد وإقصاء من المجال الرياضي لمجرد أنني قلت إن ناديا ما في إحدى المناطق يتمتع بشعبية جماهيرية كبيرة.
والذين يعرفون تاريخنا الرياضي ومتابعون له يعرفون أن كثيراً من الحكام على مدى هذا التاريخ القديم والحديث تعرضوا لأكثر مما تعرض له (مطرف) سواء بالكلام أو الفعل أو التشهير والقذف ... ولم تأخذ أبعادا كما أخذها موضوع (مطرف).
فهل الأمر يتعلق بمطرف القحطاني وانتصار له.. أم أن (مطرف) تم استخدامه كوسيلة للوصول لغايات أخرى؟
أحترم مطرف القحطاني كإنسان وكحكم ..ونرفض كل الأساليب التي تم استخدامها معه بعد المباراة .. ويجب أن نحفظ له قيمته وكرامته ..لكن علينا أن نتعامل مع الأمور بواقعية وتناقش القضايا بما يخدم الصالح العام دون (شخصنه) أو ربطها بكيانات دون أخرى.
الثالث..
الهلال..
من حق الهلال أن يعتبر نقاط المباراة قد (سرقت) منه ..كما يقول بعضهم، ومن حقه أن يرى أحقيته بها .. وأن خطأ الحكم أفقده الصدارة..
هذا حق مشروع..
لكن الذي يجب أن يدركه الهلاليون أن فريقهم كان بإمكانه حسم المباراة لصالحه دون اللجوء لما حدث وقطع الطريق على هذا كله..
كان بإمكانه ذلك لو نظر للمباراة نظرة جدية واحترم الخصم وتعامل معها كمباراة هامة..
الهلال لم يكن كذلك من ناحيتين:
أولاهما:
أثناء المباراة لم يكن أداؤه بالمستوى المطلوب لامن حيث الأداء الفني ولا على مستوى الأفراد.. وهو الذي لحق بالتعادل.
الثانية:
سماحه للاعبيه المغربيين العربي وهرماش وهما من أعمدة الفريق خاصة هرماش الذي كان واضحا مقدار الفراغ الذي تركه وتأثيره على الفريق بالسفر والانضمام لمنتخب المغرب استعدادا لكأس أمم أفريقيا قبل بدايتها بأسبوعين.
البطولة ستبدأ يوم الأحد المقبل والقانون الدولي حدد أياما معينة لانضمام اللاعبين الدوليين لمنتخباتهم.
ويبدو أن الهلال أراد أن يجامل الأشقاء.. وربما المدرب جيرتس على حساب الفريق على اعتبار أن مباراة (التعاون) ليست بتلك الأهمية في نظرهم وأنه بالإمكان تجاوزها.. وحتى لو افترضنا أن بإمكان الفريق تعويض هذا اللاعب أو ذاك ماذا عن الظروف الأخرى التي في علم الغيب؟
ماذا لو أصيب لاعبون آخرون في التدريب أو غابوا لأي ظروف خارجة عن الإرادة؟
مشكلتنا في أنديتنا السعودية أننا نجامل ولا نطبق الاحتراف بمفهومه الحقيقي، ولعل أقرب مثال على ذلك أيضا سفر المدربين في (عزالموسم) لقضاء إجازة قصيرة لاتتجاوز ثلاثة أو أربعة أيام وربما أسبوع في بلدانهم،
وهذه ربما كان لها حديث فيما بعد .. والهلال أخطأ وهو يدفع ثمن خطأه ناهيك من ظروف أخرى يعيشها مثل تصرفات بعض اللاعبين، وعليه أن يدرك أبعاد هذه التصرفات وأهدافها والتعامل معها بحكمة أحيانا أو بالحزم أحيانا أخرى، فالكيانات تبقى والأفراد راحلون وهذه أيضا لها كلام آخر.
والله من وراء القصد