|


عبدالله الضويحي
القصيدة 51 في ديوان الهلال
2011-04-19
بين شوطي نهائي كأس ولي العهد (الجمعة ليلة السبت) والذي رعاه نيابة عنه يحفظه الله أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل وجمع الوحدة مع الهلال في ملعب الشرائع بمدينة الملك عبدالعزيز الرياضية في مكة وانتهى بفوز الهلال بخمسة أهداف للاشيء، داعب الأمير عبدالرحمن بن مساعد الأمير خالد الفيصل ببيتين من الشعر نظمهما الأمير خالد في قصيدتين مختلفتين، رأى ابن مساعد أن أحدهما يحاكي حالة فريق الوحدة في المباراة واستثمار الفرصة.. والآخر الهلال وتعوده على البطولات فيما لوفاز أي منهما بالمباراة.
لكن ما لم يشر إليه الأمير عبدالرحمن أو أراد إرجاءه لما بعد المباراة... أن الهلال كله كان في حضرة الشعر.
والذي نظر إلى المقصورة الرئيسية أثناء المباراة احتار كثيرا.. وكان يتساءل: هل هو في أمسية شعرية..
أم في مباراة كرة قدم؟ فقد ضمت المقصورة الرئيسية جنبا إلى جنب كلا من:
ــ راعي المباراة أمير منطقة مكة المكرمة الأمير الشاعر خالد الفيصل (دايم السيف).
ــ الرئيس العام لرعاية الشباب رئيس الاتحاد السعودي لكرة القدم الأمير الشاعر نواف بن فيصل (أسيرالشوق).
ــ رئيس نادي الهلال الأمير الشاعر عبدالرحمن بن مساعد، وعندما يكون الهلال في حضرة الشعر.. لاتملك إلا أن تنتظر ماذا يقول. وبماذا ينطق.
فالهلال قصيدة بذاته..
بل إنه ديوان شعر مليء بالقصائد من مختلف البحور.. وبمختلف اللغات.
في تلك الليلة..
11 جمادى الأولى 1432هـ
ـ 15 أبريل 2011 م
ألقى الهلال قصيدته الحادية والخمسين (51)،
ألقاها لأنه يدرك أن المتلقي تطربه القصيدة ويهزه الشعر
(إذا الشعر لم يهززك عند سماعه..
فليس حري أن يقال له شعر)
كانت أبياتا خمسة فقط..
لكنها كانت..
غزيرة اللفظ..
جزلة المعاني..
فصيحة اللغة..
لا ترى فيها عوجا.. ولا أمتا..
كان كل بيت فيها يمثل قصيدة بحد ذاته..
لهذا..
تمايلت الرؤوس طربا.. مع كل بيت من أبياتها..
وأيمأت بالموافقة..
والتهبت الأكف بالتصفيق عند كل وقفة.. وهي معجبة..
حتى إذا مانتهى الهلال من قصيدته في تلك الليلة.. وقف الجميع إعجابا به.. وغادروا المكان وهم يرددون أبياتها.. مستعيدين أسلوبه الأخاذ في الكتابة.. وطريقته الساحرة في الإلقاء.. أليس من البيان سحرا؟
والذين يتساءلون..
كيف استطاع الهلال كتابة قصيدته الـ51 بهذه السلاسة في اللغة.. وأن يلقيها بهذه القدرة من التمكن؟
هم أولئك..
الذين لايعرفون مواهب الهلال.. وإمكانيات الهلال.. وثقافة الهلال..
هم أولئك.. الذين لم يقرأوا (أعماله الشعرية كاملة)
ولم يقفوا على قصائده الخمسين السابقة.. قراءة وتحليلا.
والهلال..
عندما يكتب قصيدته يستحضر ذاته.. ويذيبها في ذات القصيدة..
فيتساءل المتلقي في حيرة..
أيهما المدهش..
الهلال.. أم القصيدة؟
هل حضور الهلال مدهش كحضور القصيدة..
أم أن حضور القصيدة مبهر.. كماهو حضور الهلال؟
ولأن الهلال يملك..
مفردة اللغة..
وأسرار الكلمة..
وسعة الثقافة..
فقد كتب قصائده الـ
51 بمختلف اللغات.. بل ومختلف اللهجات، وصنفها في دواوين مختلفة يسهل على الباحث العثور على القصيدة وموضوعها، ووضع (مجموعة الأعمال الشعرية الكاملة) لمن أراد البحث والاطلاع بتوسع أكثر، كتب الهلال قصائده باللهجات المحلية المختلفة لمناطق المملكة..
وباللهجة الخليجية..
وباللهجة العامية لبعض الدول العربية..
وباللغة العربية الفصحى..
كتبها..
بالفارسية..
والكورية..
وباللغة اليابانية..
والهلال..
لايكتب القصيدة فقط..
بل إنه يبدع حتى في إلقائها..
فلم يعد يكترث لــ (وعثاء السفر)
ولم يعد يهتم بـ (مشقة الترحال)
ولا (تتعب من السفر الطويل حقائبه)
ولم (يتعب من خيله ومن غزواته)
فهو.. (أي الهلال)..
(ما آب من سفر إلا وأزعجه
رأي إلى سفر بالرغم يتبعه
كأنما هو في حل ومرتحل
موّكل بفضاء الله يذرعه)
ولم تعد هيبة المكان تمثل هاجسا بالنسبة له..
بل إن المكان أصبح يهاب حضوره..
لأن له في كل حضور تميز..
وفي كل قصيدة إعجاز ولغة جديدة..
هذه المرة..
جاءت قصيدته الـ51 مختلفة تماما..
ومتميزة..
في المفردة الشعرية..
وفي أدوات اللغة..
كتبها بمختلف اللهجات واللغات التي كتب بها قصائده السابقة محلية.. وعربية. وأعجمية..
فجمعها في قصيدة واحدة..
وبمختلف البحور والأوزان..
ومتميزة..
في جغرافية المكان..
وفي جغرافية الزمان..
هذه المرة جاءت في أطهر بقعة على وجه الأرض ليكون الأول والمتفرد بهذه الميزة، مؤكدا تفرده بالأولويات وعشقه لها..
وليزرع رايته في مدينة جديدة طوى بها الجزيرة.. وأكمل بها عقد بطولاته.. ومدن انتصاراته..
جاءت بالرقم 51 وهو الذكرى الـ 51 لفوزه بأول بطولة على مستوى المملكة.. وأمام ذات الفريق..
ومتميزة..
حتى في مراحل الهلال ومنازله..
فالهلال الذي اعتدنا اكتماله بدرا في منتصف كل شهرقمري.. أراد هذه المرة أن يطلق نظرية جديدة وهي إمكانية اكتماله في منتصف الشهر الميلادي.. ليحدث انقلابا جديدا في مفهوم علم الفلك ودراسة النجوم.. ومراحل الهلال ومنازله..
وأخيرا.. وليس آخرا..
أكد الهلال في قصيدته الـ 51 محافظته على (وحدة) القصيدة التي كانت السمة الواضحة في جميع قصائده بدءا من قصيدته الأولى قبل 51عاما وتحديدا في 1381هـ ـ 1961م..والله من وراء القصد.
الوحدة..
إذا كان الوحداويون أخطأوا في تقديرهم ونظرتهم للمباراة النهائية على كأس ولي العهد أمام شقيقهم الهلال وخسروها على ملعبهم 5/0، فإنهم يخطئون الآن أكثر إذا اعتقدوا أن فرصتهم الأخيرة في تحقيق بطولة قد انتهت.. وأن أملهم في منصات التتويج قد تلاشى..
(في منتصف الأسبوع) الماضي قلت لو فاز الهلال فليس هذا بغريب، ولو خسر لن يقلل ذلك من قيمته كفريق بطل، وإن فاز الوحدة فهو إنجاز وعودة للتاريخ، وإن خسر فهي ليست نهاية المطاف وإنما يجب أن تكون البداية..
ولا أدري ماهي الأسس التي بنى عليها الوحداويون تصوراتهم وآرائهم.
الطموح حق مشروع لكل فريق..
وتحقيق البطولة والبحث عنها..
لكن هناك منطق في التعامل مع الحدث..
كان بإمكان الوحدة أن يظهر بصورة أفضل مما كان عليه..
إن لم يفز.. أو يحرج الهلال، فعلى الأقل أن يخسر بشرف.
النتيجة كانت مؤلمة وقاسية في تاريخ الوحدة..
والذين بحثوا عن مجد شخصي على حساب الوحدة وأن يسجلوا ذلك في تاريخهم، خرجوا أو سيخرجون، ويشهد تاريخهم عليهم بنتيجة تاريخية لم تكن تتوافق مع عراقة الوحدة وتاريخ الوحدة..
والقارئون للتاريخ..
وسيناريو الأحداث..
يدركون أن خسارة الوحدة تجلت منذ أن توهم الوحداويون.. أو تم إيهامهم بأن الفوز بالبطولة مسألة وقت مرهونة بنقل المباراة إلى ملعبهم، وهذا ما جعل رئيس أعضاء الشرف يصرح قبل المباراة بأن الهلال غير مؤهل.. وأن الفوز الوحداوي مضمون.
وأخصائي نفسي أرادوا منه تهيئة الفريق، فأكد على أن الهلال فريق متعال و(شايف نفسه) ولذلك سيخسر.
ومسؤول كبير بالنادي يؤكد أن (ماء زمزم لما شرب له).. وانهم سقوا اللاعبين منه قبل المباراة.
المظلوم الوحيد في المباراة اللاعب الوحداوي الذي تم تحميله فوق طاقته.. فكان الضحية.
والمظلوم الآخر إن لم يكن الأول.. الجمهورالذي أوهموه بحلم طال انتظاره فكانت ردة الفعل عنده أقوى.. لهذا سقط البعض منهم(مغشيا عليه).
جميع المحللين.. والواقعيين.. اتفقوا على أن المقارنة بين الوحدة والهلال ظالمة قبل المباراة..
لامن حيث الإمكانات المادية..
ولا في تطبيق مفهوم الاحتراف..
ولافي عدد البطولات..
ولافي ثقافة التعامل مع الأحداث..
ولا في خبرة اللاعبين سواء على المستوى المحلي أو الدولي..
ولاحتى في دوري هذا الموسم.
لاتوجد أي نقطة تفوق.. أوأفضلية لمصلحة الوحدة،
حتى الأرض لم تعد هي الفارق على مستوى مدن المملكة، كل ناد سيجد له أنصارا وجماهير في المدن الأخرى إن لم يكونوا منتمين إليه.. فعلى الأقل مناوئين للآخر.
لذلك..
كانت النتيجة متوقعة.. ما لم تحدث ظروف أخرى ليست واردة في الحسبان.
الشيء غير المتوقع هوضخامة النتيجة، ولهذا شاهدنا معظم التوقعات انحصرت في فارق هدف أوهدفين والبعض رشح الوحدة.
وضخامة النتيجة يتحملها القائمون على شؤون الوحدة فقط. حتى الجهاز الفني يمكن تبرئته نسبيا طالما أن مسؤولاً كبيراً في النادي صرح أنه اجتمع مع لاعبي خط الظهر على انفراد.. (وهذا المضحك المبكي).
لا أدري ماذا دار في هذا الاجتماع..
وماذا قال لهم..
ولماذا على انفراد بعيدا عن المدرب والجهاز الفني..
ما أريد أن أصل إليه..
وأن يصل إليه كل محب لفريق الوحدة.. أن ما سبق ليس تشفيا ولانوعا من جلد الذات بقدر ما أهدف من خلاله للوصول إلى نقطة هامة..
وهي أن يدرك الوحداويون حجم خطئهم، وأن يتم طي صفحة هذه الكأس.
وبنفس الجهد الذي بذلوه ليحققوا الكأس.. عليهم أن يبذلوا جهدا مماثلا لانتشال الفريق من هذه الحالة.. حتى لاتنعكس عليه فيما تبقى من دوري زين للمحترفين ومحاولة البقاء ضمن هذا الدوري الموسم المقبل.
هبوط الفريق لوحدث (لاسمح الله) إلى أندية الدرجة الأولى بعد هذه النتيجة الكارثية والتاريخية ــ وعفوا لهذا الوصف ــ سيكون انعكاسها سلبيا على الفريق وعلى النادي ككل.
الصوت المطلوب في الوحدة الآن هو الصوت الرشيد البعيد عن التشفي وتصفية الحسابات الباحث عن مصلحة الوحدة الكيان.. الوحدة التاريخ..
وحدة اليوم.. أو وحدة القرن21 غيروحدة الأمس.. والقرن الماضي، بل إن رياضة اليوم غيررياضة الأمس.
بالأمس..
كان الوحدة يقف في درجة واحدة مع الآخرين من حيث الإمكانات المادية وطريقة اللعب وأسلوب العمل، لكنه كان تيتميز بالنجوم وإخلاصهم.. لذلك كان الوحدة يصعد المنصات وينافس على البطولات.
نحن الآن..
في زمن الاحتراف.. ولغة المادة.. وعصر الاستثمار الرياضي.
ما لم تملك هذه الإمكانات لامكان لك في ركب المتوفقين..
والوحدة يملك كل الإمكانات لذلك.
فهو..
بيئة استثمارية خصبة.. وله ميزة يتفرد بها عن غيره وهو وجوده في مكة المكرمة..
والوحدة الذي أنجب كريم المسفر والدوش والجعيد والكبش واللمفون واللبان وأحمد طاهر والفايز والزرد وعلي داوود وأبويمن.. وغيرهم، هو ذاته الذي أنجب عبيد الدوسري وعلاء الكويكبي وأسامة هوساوي وعيسى المحياني وأحمد موسى.. والمر.. نجوم المنتخب والأندية الأخرى..
فالرحم الوحداوي لازال قادراً على إنجاب المواهب، لكن ضيق ذات اليد جعل أبناءه اليوم يهاجرون بحثا عن مصدر رزق.
وهذه مسؤولية أبناء مكة سواء المقيمين فيها أو خارجها.. أو (المكاكوة) كما يسميهم صديقنا بسام فتيني.. والله من وراء القصد.