|


عبدالله الضويحي
التطوير المتسارع.. والدوائر المغلقة..
2011-02-22
ثلاثة أحداث تتعلق بالشأن الرياضي مابين قرار أو اتفاقية.. أو مايدور في الإطار ذاته.. لفتت الأنظار في الأسبوع الماضي.. سيكون لها أثرها الكبير على مستقبل الرياضة لدينا بصورة عامة وكرة القدم على وجه الخصوص.
وأعني بالأسبوع الماضي (أسبوع مضى).. مابين مقالي السابق الذي تناولت فيه بعضا من التوجهات لرسم ملامح مستقبلنا الرياضي ومقال اليوم.. بل إنها تمت خلال خمسة أيام فقط..
هذه الأحداث أو القرارات هي:
ـــ السماح للأندية باستثمار أراضيها.. أو منشآتها لتمويل نفسها ذاتيا..
ـــ إعادة هيكلة الرئاسة العامة لرعاية الشباب إداريا...
ـــ عدم تكليف رؤساء الأندية لإدارة شؤونها مؤقتا.. وتفعيل الانتخابات المتعلقة بهذا الشأن..
هذه التوجهات رغم أهميتها.. وبالرغم من أنها كانت مطلب المجتمع الرياضي بصورة عامة.. وربما المجتمع بعمومه.. والإعلام على وجه الخصوص الذي تبنى الكثير من هذه المطالبات.. إلا أن هذا الإعلام ــ وللأسف ــ الشديد تعامل معها مثل أي متلق آخر.. بعيدا عن الشأن الرياضي وهمومه..
استثني هذه الصحيفة.. والزميل سلطان رديف كـ (كلمة حق).. وطرحه لموضوع استثمار الأندية لأراضيها بشيء من التوسع.. والتفصيل في هذا القرار وخلفياته.. وأبعاده.. وانعكاسه على مستقبل الأندية.. إلخ
هذا الإعلام ظل بعيدا عن هذا المشهد..
لم نر.. طرحا إيجابيا لمثل هذه القرارات والتوجهات.. ولا حتى طرحا سلبيا.... على الأقل نشعر من خلاله أن هناك متابعة لما يحدث.... لم نر.. من يتحدث ويناقش أهمية هذه القرارات وردود الأفعال حولها..
ما هي أبعادها...
آلية التنفيذ.. انعكاسها على الشأن الرياضي..
وما إلى ذلك من الأسئلة التي تدور حولها.. وهي تساؤلات كثيرة.. لو أتحت المجال أمامها لتظهر على السطح.
ظل هذا الإعلام.. يدور في نفس الدائرة.. يناقش قضايا محددة.. وربما قضية واحدة لا تحمل الأهمية ذاتها.. ولا يخرج منها المتلقي.. ولا المسؤول بما يثري ذائقته.. وينمي ثقافته.
تكرار لقضايا معينة..
واجترار لأحداث سابقة.
ومقارنات بين عقوبات وأحداث مضى عليها سنوات.. مع أحداث آنية.. رغم تبدل اللوائح وتغير القوانين.
وتبادل اتهامات..
ودخول في الأعراض.. والذمم..
آراء أحادية التوجه.
وعيون تنظر من زاوية ضيقة..
بعيدا عن شمولية الرؤية.. وعقلانية الطرح..
تتغير الأصوات..
وتختلف درجة تردداتها..
وتتبدل مواقعها..
وتتنوع مصادرها..
لكنها في النهاية.. تنتهي إلى المحصلة ذاتها..
لأنها.. تتحدث.
بذات اللغة..
وذات المفردة..
وفي ذات الوقت..
فتتحول إلى (ظواهر صوتية)... و(زبد يذهب جفاء)..
حتى الذين تناولوا الشأن الرياضي.. والمؤسسة الرياضية عقب خسارتنا في كأس آسيا مطالبين بالإصلاح وإعادة الهيكلة.. وتغيير الآلية.. اكتفوا بما قالوه.. ولم يتأثروا بما حدث من حراك يهدف إلى التطوير.. وكأنما كانت أقوالهم مجرد ردود أفعال وتسجيل حضور..
أرجو ألا يفهم من كلامي هذا.. أنني ضد أولئك.. وما طرحوه.. فقد قلت رأيي في ذلك في مقالات سابقة مؤيدا لهذه الطروحات..
كما أنني.. لست ضد ما تطرحه القنوات الفضائية والإعلام عموما ومناقشته لبعض القضايا الآنية....
لكنني..
أتحفظ كثيرا.. على بعض أساليب الطرح.. وعلى توسيع دائرة المناقشة.. بصورة لا تفيد القضية.. ولا تنمي ثقافة المتلقي.. ولا تعين المسؤول...
وعوداً على بدء..
وما أشرت إليه في مقدمة الموضوع.. فإن ما تم هو حلقات في منظومة التغيير الشامل الذي يقوده بخطوات متسارعة الأمير نواف بن فيصل منذ تسلمه مسئولية قيادة الحركة الرياضية والشبابية.. نحو تطوير آلية العمل في هذا القطاع.. بكل أطيافه.. التشريعية والتنفيذية..
ولعلنا نتوقف هنا.. أمام هذه الحلقات الثلاث..
أولاً: هيكلة رعاية الشباب..
جاء استقبال الأمير نواف لمدير معهد الإدارة العامة الدكتور عبدالرحمن الشقاوي ليضع اللبنة الأولى في إعادة هيكلة جهاز الرئاسة العامة لرعاية الشباب.. ومعهد الإدارة العامة معروف كمعهد متخصص وجهاز إداري حكومي.. الهدف منه تطوير العمل الإداري في أجهزة الدولة.. وقد قام بإعادة هيكلة الكثير من قطاعاتها.. والدكتور الشقاوي هو ابن المعهد قبل أن يكون المسؤول الأول فيه.. وأحد الكوادر الوطنية التي نفتخر بها.. وأتذكر أن المعهد قدم دراسة من هذا النوع.. أو هيكلة لرعاية الشباب قبل عقد ونصف إبان عهد الأمير فيصل بن فهد رحمه الله.. لكنها لم تدخل حيز التنفيذ لظروف معينة في حينها. لكن الوقت الآن اختلف.. والظروف تبدلت..
والمرحلة تتطلب التحرك.. والتغيير بما يناسب طبيعة المرحلة..
ولذا..
كان هذا الموضوع من أولويات الأمير نواف واهتماماته.. حيث أعلن عن ذلك في اليوم الأول.. وربما في أولى تصاريحه وأحاديثه بعد تعيينه في هذا المنصب.. مما يؤكد بعد النظر لديه.. والرغبة الصادقة في مجاراة العصر..
ثانياً:
الاستثمار في الأندية..
دخول القطاع الخاص إلى الأندية.. والاستثمار فيها.. ليس جديدا.. وهو متمثل في شراكاتها الاستراتيجية مع شركات الاتصالات.. وتشغيل مقراتها.. عبر اشتراكات سنوية للأعضاء.. لكنها دخول لا تفي بالغرض.. وبعضها لا تخضع لنظام معين.. أو ضبط...
القرار الأخير..
بالسماح للأندية باستثمار منشآتها والأراضي التابعة لها.. يعتبر خطوة كبرى في الاتجاه الصحيح.. خاصة وأن هذا القرار.. حدد آلية واضحة.. لكيفية الاستثمار.وآلياته.. وضمان الاستفادة المباشرة منه.. بعيدا عن البيروقراطية الإدارية.. مما يساهم في زيادة مداخليها ومضاعفتها.. كخطوة أولى نحو الاكتفاء الذاتي وهو ما تنشده الأندية وننشده جميعا لضمان استقلاليتها.. واستقلالية الرأي فيها.
وقد سبق لوزارة التربية والتعليم في عهد وزيرها الأسبق الدكتور محمد الأحمد الرشيد أن خطت خطوة مماثلة في استثمار الهيئات التعليمية لمنشآتها.. لكن تفعيلها لم يتم بالصورة المطلوبة.. ويحسب للدكتور الرشيد أنه فتح الباب أمام القطاع الخاص للدخول إلى القطاع العام ودعمه.. من خلال الاستثمار فيه عبر تبادل المنافع بين الطرفين.
خطوة رعاية الشباب الأخيرة..
تأخذ أبعادا أكبر.. ونطاقا أوسع.. وتعطي الأندية كامل الحرية في استثمار أراضيها بما تراه مناسبا ليعود عليها بالنفع دون تحديد لنوعية الاستثمار.. سواء كان عقاريا.. أو رياضيا.. أو.. أي مجال آخر.. في إطار ما تسمح به الأنظمة والقوانين.
هذا القرار في نظري..
يعتبر إحدى الخطوات الهامة إن لم تكن الأهم في طريق خصخصة الأندية.. وهي أشبه ما تكون بجس النبض لهذه الأندية.. ومدى قدرتها على التشغيل الذاتي.. وإدارة قنوات الاستثمار لديها..
وبالتالي..
فقد أصبحت الكرة الآن في ملعب الأندية.. ومن هنا فإن التساؤل المطروح.. لا يتعلق بمدى استفادة الأندية من هذه الفرصة من عدمها.. لأن هذا يعتبر أمرا مفروغا منه.
. لكن التساؤل الأهم:
كيف يمكن للأندية أن تستثمر هذه الفرصة بما يحقق مصلحتها على المدى البعيد.؟. ويحولها إلى كيانات تعتمد على التشغيل الذاتي.. بل وتحقق الاكتفاء الذاتي... وما هي الآلية التي يجب أن تتبعها لتحقيق ذلك ؟.
لنكن صادقين
وصريحين مع أنفسنا أن أنديتنا.. أو لنقل الغالبية العظمى منها.. ليس لديها (ثقافة استثمارية) بالمعنى الصحيح.. بمعنى أنها لا تملك الفكر الاستثماري الذي يؤهلها للتعامل مع هذه الخطوة بوصفها الحالي. وما يحصل الآن.. لا يتعدى أحد أمرين :
- إما..
اجتهادات فردية في استثمار مرافق النادي وتحديدها.. بمعنى انها (عملية تحصيل) فقط....
- أو..
عملية استلام مبالغ من الشركات الراعية وإيداعها في حساباتها.. بمعنى (استلام وإيداع).. أو مراجعة هذه الحسابات.. عندما تتلقى إشعارا بإيداع المبالغ.. وأحيانا تلجأ إلى طلب دفعات مقدما عندما تضطر لذلك.. قد تحصل عليها وقد لا تحصل.. وإذا ما حصلت فهو بأسلوب أخوي.. ودي.. خارج إطار القانون.. والعمل المحاسبي أو الاستثماري المنتظم. هذه الآلية.. أو هذا الفكر.. لا يمكن أن يتماشى مع المرحلة القادمة...
ولهذا..
يجب على الأندية.. أن تبدأ من الآن تحضير نفسها لهذه المرحلة.. وذلك بإعادة هيكلة نفسها إداريا.. وتفعيل إدارات الاستثمار لديها بصورة تتناسب والفكر الاستثماري القادم. وهذا لن يأتي إلا من خلال:
ــ استقطاب كوادر مؤهلة ومتخصصة في مجال الاستثمار.. تخطيطا وتنفيذا..
أو..
تأهيل بعض الكوادر لديها من خلال الدورات المتخصصة للعمل في النادي.. وتفريغها أيضا لمثل هذه الأعمال وفق عقود مجزية.. لا تضمن استمرارية هذه الكوادر فقط.. بقدر ما تحفزها للعمل داخل النادي وتطويره وتنمية مصادر الدخل وتنويعها.
المرحلة الآن..
هي مرحلة العمل الاحترافي.. والفكر الإداري.. يجب.. أن نطوي صفحة (أنا ومن بعدي...).. وأن نتجاوز مرحلة الرئيس الذي يعمل لفترته فقط... وأن يتحول العمل في الأندية إلى عمل مؤسساتي.. لا يرتبط بالفكر الأحادي.. والنظريات الفردية.. بقدر ما يعتمد على إستراتيجية واضحة المعالم.. ترسم آفاق المستقبل.. وتخطط على المدى البعيد..
ثالثا :
إلغاء التكليف..
والمقصود بهذا القرار.. إلغاء مبدأ تعيين رؤساء الأندية بتكليف من الرئيس العام لرعاية الشباب لمدة معينة.. ونحن نعرف أن بعضا من إدارات الأندية لدينا وفي دوري المحترفين تم تكليفها بهذه المهمة بقرار من الرئيس العام.. لظروف معينة ارتأى من خلالها إصدار مثل هذا التكليف... وهو حق كفله له النظام والمصلحة العامة. إلغاء هذا التوجه.. وصرف النظر عنه وتفعيل الانتخابات كإجراء تنظيمي في عملية انتخاب الرئيس وهو ما أعلنه الأمير نواف يؤكد على حقيقتين هامتين:
الأولى :
إعطاء الأندية الحرية في اختيار من يدير شؤونها وتحميلها المسؤولية الكاملة في ذلك.
الثانية :
رفع اليد عن الأندية.. وعدم التدخل في شؤونها.. ومنحها الاستقلالية التامة في رسم سياستها وتحديد مستقبلها. هذا القرار – في نظري ــ هو امتداد للقرار المتعلق باستثمار الأندية لأراضيها.. بل ومكمل له.. ويتماشى مع متطلبات المرحلة. إذ.. لا يمكن أن تتحمل الأندية مسؤوليتها.. وترسم خططها على المدى البعيد.. ما لم يكن صانع القرار فيها محققا لآمال وطموحات المنتمين إليها.. وخارجا من البيئة ذاتها برغبتهم.. وقناعتهم مما يضمن تعاونهم معه ودعمه بما يحقق مصلحة النادي.. وبالتالي مصلحة الرياضة السعودية.
ومن هنا..
فإن المرحلة القادمة.. يجب أن تكون مرحلة البناء الحقيقي لرياضتنا السعودية.. وإعادة النظر في كثير من سياساتنا.. والمسؤولية هنا.. تقع على إدارات الأندية.. والمنتمين إليها.. بالتفاعل مع هذه القرارات.. ودعمها.. والإعلام بالذات كشريك استراتيجي في صناعة المرحلة من خلال بث الوعي وتنميته حول الفكر الاستثماري في الأندية.. وتعزيز العمل الجماعي.. ونبذ الفردية.. والبعد عن أحادية التوجه.. وأدلجة الرأي.. وطرح القضايا التي تدعم هذه التوجهات بما يساهم في تطوير آلية العمل الشبابي والرياضي لدينا.. ويحقق طموحات وآمال المنتمين إليه.. ويترجم جهود القائمين عليه.. ويعينهم على تنفيذ هذه الطموحات
والله من وراء القصد