|


عبدالله الضويحي
الإصلاح أولا .. وتجار الأزمات
2011-01-25
تحدثت (في منتصف الأسبوع) الماضي عن خطابنا الإعلامي الرياضي وخطابنا الرياضي بصورة عامة.. وأن هذا الخطاب لم يتغير منذ أربعين عاما.. منذ أن شاركنا في دورة الخليج الأولى (مارس 1970) كأول مشاركة فعلية لمنتخبنا الوطني الأول وانتظام المشاركات الخارجية.. إذ نمارس جلد الذات وإن اختلف السوط أو أسلوب الجلد وقساوته عندما نخرج من أية بطولة أو دورة دون أن نحقق ما نريد.. سواء كان ذلك دون الحد الأدنى من الطموحات أو في المباراة النهائية وقبل خطوات من التتويج.. فيما نتفنن في البحث عن مفردات الإشادة وكيل الثناء والمديح للمسؤول عندما تأتي النتائج وفق ما يشتهي السفن.. بغض النظر عن المستوى وما ينطوي عليه، بل إننا في بعض الأحيان نمارس الجلد ذاته (وقد حدث هذا بالفعل) حتى عندما تكون النتائج إيجابية.. ذلك أننا فقدنا بوصلة النقد.. ولم نعد نعرف الاتجاهات الأربع..
الجديد..
هو تعدد قنوات النقد وبالتالي تعدد ممارسيه وأساليبه ومواضعه.. مرة ننتقد المدرب.. وثانية اللاعب.. وثالثة الإداري.. ورابعة الإعلام.. وخامسة اتحاد الكرة.. وأخيرا وليس آخرا.. المسؤول.. بل وذات المسؤول أكثر من عمله.. ولأن الرياضة.. وكرة القدم على وجه الخصوص هم اجتماعي.. وثقافة سماعية.. أو مفروضة.. فقد أتاح ذلك الفرصة للكل بممارسة النقد.. والدخول في عملية إصلاح الوضع بعد كل خسارة مدوية أو خروج من بطولة..
من حق كل شخص أن ينتقد.. ومن حقه أن يساهم في عملية الإصلاح.. وكل ذلك بدافع وطني لا يمكن التشكيك فيه.. المشكلة ليست في هذه.. فقد نملك القدرة على ممارسة النقد.. ونملك أدواته.. لكن امتلاك الآلية التي يستند عليها هي لب المشكلة.. والآلية التي أعنيها.. هي المعلومة الصحيحة والموثقة التي تعطيه المصداقية وتمنحه القبول.. سواء بالنسبة للمنتمين للوسط الرياضي والمعايشين له أو ممن هم خارجه من الذين يحتاجون لتحديث معلوماتهم عن بعض لوائحه وقوانينه..
هناك من طالب بمدرب عالمي..
وكأنه المنقذ أو الحل الوحيد.. ونحن الذين جربنا هذه الخطوة عدة مرات دون إدراك من هؤلاء أن هذا المدرب لايمكن أن ينجح مالم تتوفر له البيئة المناسبة للنجاح.. مارسنا التعامل مع ألف مدرب.. ومدرب فوجدنا أن الأفضل ممارسة تدريب الذات.. نعم.. علينا أن ندرب ذاتنا على كيفية اختيار هؤلاء المدربين.. وكيفية التعامل معهم..
لايمكن أبدا..
أن يكون جميع المدربين الذين مروا على المنتخب السعودي طوال 40 عاما دون المستوى المطلوب.. ومع ذلك فإن معدل تغييرنا للمدرب سنة واحدة فقط.. فمنهم من بقي سنتين.. ومنهم شهران..
ولا يمكن أبدا..
أن يكون جميع المدرين الذين مروا على الأندية السعودية وهي الأساس.. دون المستوى المطلوب.. ومع ذلك فإن بعض الأندية يمر عليها أربعة مدربين في موسم واحد فقط.. المدرب لاينجح لدينا.. لأننا لانعينه على ذلك لسببين رئيسين.. وأعني هنا المدرب المميز.. أما الآخرون فذاك شأن آخر..
الأول ..
عدم إعطائه الحرية في العمل.. والتدخل في بعض خصوصياته.. أو برنامجه التدريبي.. أو عدم إعطائه الفرصة باستعجال النتائج.. وبالتالي تغييره وإنهاء عقده..
الثاني..
أن فكر اللاعب لدينا وثقافته.. لا ترتق إلى مستوى فكر وثقافة المدرب وتعليماته.. المدرب محترف.. ويريد التعامل مع لاعبين محترفين.. لايتثاءبون أثناء التدريب المسائي.. ويتمتعون بلياقة بدنية وذهنية عالية.. وتغدية سليمة.. لاعبون يحترمون (مهنتهم) ويدركون معنى الاحتراف الحقيقي..
أو..
أن نفرض عليهم ذلك.. وفق قوانين ولوائح صارمة.. شأنهم شأن أي موظف يعمل في القطاع الخاص.. طالما أن الاحتراف أصبح مهنة.. ومصدر دخل.. وأخذ وعطاء..
أما..
إذا كانت (أكياس الرز) تسبقهم إلى المعسكرات الخارجية وتسجل عليهم (وزن زائد).. و(المفاطيح) تتصدر موائدهم أثناء البطولات والدورات.. ونعينهم على السهر.. ونسمح لهم بالنوم نهارا.. نغير ساعتهم البيولوجية.. ونعدل نواميس الكون وسننه من أجلهم.. نساعدهم على التبلد.. وعدم الشعور بالمسؤولية.. (ولا أقول الوطنية).. فهناك فرق كبير.. وخيط رفيع.. إذا
كنا كذلك..
فإننا مهما أحضرنا من مدربين عالميين.. أو وضعنا برامج تطوير.. أو لجان عمل.. فإن هذا سيكون هباء منتثورا.. ونتائجه وقتية تخضع لظروف آنية.
هناك من طالب بحل اتحاد كرة القدم
ودخول دماء جديدة وشابة للاتحاد.. علما أن جميع أعضاء الاتحاد.. أو على الأقل أكثر من 80 % منهم دماء جديدة.. نسبة إلى تاريخها مع الاتحاد.. كما أن نصف أعضائه من المنتخبين.. وبالتالي من الصعب اتخاذ قرار كهذا تحكمه لوائح وقوانين.. إضافة إلى أن الاتحاد.. وأعني مجلس الإدارة.. هو جهاز تخطيطي أكثر منه تنفيذي.. نعم قد يخطئ في اختيار مدرب.. أو جهاز فني.. وما إلى ذلك.. ويتحمل مثل هذه الأخطاء.. لكنها ليست المبرر لحله وإبعاد أعضائه الذين يتولون مسئوليات أخرى غير منتخب الكرة.. ولهم أدوار تتجاوز ذلك.. وتتعلق بعلاقتنا الخارجية..
ثمة من طالب بإبعاد وكلاء الرئيس العام..
والاستغناء عنهم باعتبارهم استنفدوا ما لديهم.. علما أن جميع الوكلاء الحاليين.. لم يمض على تسلمهم هذا المناصب بضع سنوات.. أو أقل.. ولا علاقة لهم.. أو لرعاية الشباب بما يحدث في كرة القدم أو الاتحاد.. أو أي رياضة أخرى.
هناك من طالب بإلغاء الاحتراف..
والعودة إلى زمن الهواية.. باعتباره سببا في ثراء اللاعبين وعدم انضباطهم دون إدراك لصعوبة مثل هذا القرار.. أو استحالته.. لسببين:
أولهما:
تسريح عدد من الشباب.. وقطع مصدر رزقهم وانسحاب ذلك على أسرهم.. وما يترتب على مثل هذه الأمور.
وثانيهما:
الخروج من منظومة كرة القدم الحديثة ومفاهيمها والعيش في عزلة.. بعيدا عن المشاركات الدولية.. وبطولات الأندية الآسيوية..
هناك من طالب..
بإيجاد المنشأة الرياضية وتعميمها..
وهناك من طالب..
بإصلاح وضع الأندية أولا.. لأنها هي الأساس في مد المنتخب بعناصره.. والنقطتان الأخيرتان.. من أكثر الحلول المطروحة منطقا.. وقبولا.. وإن لم يكن الحل الوحيد لست هنا.. في مجال تخطئة البعض.. ولا حاملا لواء التوجيه.. فلست إلا واحد من هؤلاء.. أطرح أفكارا ورؤى.. قد أخطئ.. وقد أصيب.. وحسبي أنني مجتهد.. يرى أن خبرته الطويلة وقربه من الحدث ما يزيد عن ثلاثة عقود.. وربما يقترب من الأربعة يشفع له بذلك..
في ظني..
أن اللاعب هو محور العملية ككل.. ومتى ما صلح اللاعب.. صلحت الكرة لدينا وتحسن وضعها.. واللاعب.. تتنازعه أطراف عدة تساهم في صناعته وإعداده.. سواء من حيث الإعداد البدني أو الفني.. أو النفسي.. إلخ. وقبل أن نفكر في التعاقد مع مدرب عالمي.. أو جلب خبراء.. ولجان تطوير.. علينا أن نهتم بإصلاح ثلاثة أدوار أساسية.. هي المسابقات المحلية.. الاحتراف.. والأندية.. والترتيب هنا لا يعني درجة الأهمية.. فكل منها له أهميته الخاصة.. وهي تشكل أضلاع مثلث.
أولا:
المسابقات المحلية..
الحديث عن المسابقات المحلية.. وتداخلها.. وتوقف الدوري ليس جديدا.. فقد تم التطرق إليه أكثر من مرة.. وعندما اجتمعنا زميلي مساعد العصيمي وأنا مع رئيس الفريق الفني لتطوير أداء المنتخبات السعودية الفرنسي جيرارد هولييه ورئيس الفريق الإداري الإنجليزي ريك بيري.. بدعوة من الاتحاد السعودي لكرة القدم قبل فترة كانت هذه من أبرز النقاط التي أثارها الفريق.. خاصة توقف الدوري.. وعدم انتظامه.. إلى جانب نقاط أخرى تم مناقشتها في ذلك الاجتماع الذي امتد لأكثر من ساعتين ومن المؤكد أن تقرير اللجنة قد تضمنها قبل رفعه للاتحاد.. اتحاد القدم لدينا هو الاتحاد الوحيد الذي يشرف على أربع مسابقات محلية.. في حين تكتفي كل الاتحادات بمسابقتين. والقضية ليست في الكثرة.. بقدر ما هي في التداخل والتوقفات. ومعروف أن التوقف من شأنه أن يؤثر على خطط وبرامج الفريق.. وإعداد وجاهزية اللاعب.. كما أن التداخل يؤثر أيضا.. ويشتت ذهن اللاعب لاختلاف أسلوب وطريقة إعداده وإعداد الفريق من مسابقة لأخرى.. وقلنا أن أنسب الحلول المتاحة هي فصل مسابقة كأس الأمير فيصل عن بقية المسابقات.. واعتمادها كمسابقة مستقلة بذاتها في نظامها.. ولوائحها.. وأن تقتصر على من هم دون سن 23 (الفرق الأولمبية).. كقاعدة للمنتخب.. ولا يمنع أيضا أن تكون هذه المسابقة وطنية بحتة.. في لاعبيها.. وحكامها.. وأجهزتها الفنية لتكون قاعدة صلبة.. لإعداد الكوادر الوطنية المؤهلة في هذه المجالات.
ثانيا:
الاحتراف.. إذا
كان من المستحيل إلغاء هذا النظام لأسباب ذكرتها في البداية.. فإن الحل السليم يكمن في إصلاحه.. الاحتراف منظومة متكاملة.. طبقنا منها جزئية بسيطة لا تشكل شيئا نسبة إليه كمفهوم.. وهي تفرغ اللاعب.. وعلى مدى عشرين عاما من تطبيقه لم يسطع اتحاد الكرة حتى الآن فرضه كحقيقة ونظام على الأندية.. اللاعب أصبح الآن موظفا.. يعمل بأجر.. لكن يأخذ هذا الأجر دون مقابل يذكر.. موظف القطاع الخاص يقضي8 إلى 10 ساعات في عمله.. فيما يقضي اللاعب ثلث هذا الوقت يفترض أن يتواجد اللاعب في النادي في الفترة الصباحية والمسائية.. وأن تكون تغذيته تحت إشراف مختصين من النادي.. وأن يتلقى خلال هذه الفترة إلى جانب التدريبات محاضرات تثقيفية وتوعوية.. نظرية وعملية.. ترتقي بمستوى فكره.. وتساهم في تعريفه بواجباته..ماله وما عليه.. داخل الملعب وخارجه..
وقد لاحظنا كيف تغير وضع الفريق الهلالي الموسم الماضي أثناء إشراف المدرب جيريتس وعندما تم تطبيق الجزئية الخاصة بالتدريبات الصباحية (فقط) أما الحالة المدنية وهوية اللاعب.. فهو في الواقع والحقيقة.. لاعب محترف.. وهذا هو تعريفه وعمله.. ويتقاضى أجرا مقابل ذلك.. أما هويته الوطنية فلا أدري بماذا تسميه.؟ طالب..؟ موظف أهلي.؟ رجل أعمال..؟ أم متسبب..؟ والحديث يمتد إلى حقوقه التقاعدية.. وتأمين مستقبله.. ومن ثم الدخول العالية.. والرواتب وغيرها وهذه لها حديث آخر..

تجار الأزمات..
قبل أن نفيق من صدمة الخروج من كأس أمم آسيا.. وفي الوقت الذي كنا فيه نضمد الجراح.. تم عرض اسمين عالميين لتدريب المنتخب السعودي من أشهر المدربين في العالم.. وتم طلب سيرتهم الذاتية.. رغم أن البعض سخر من هذا الطلب.. وهو إجراء روتيني وضروري في مثل هذه الحالات.. وكأن جميع قضايا الخروج المر قد تم حلها.. وانتهت ولم يبق إلا المدرب.. وأمس الأول كنت أستمع إلى إحدى الاذاعات وإذا بها تشير إلى وصول المدرب الأرجنتيني ادجار روزا (مدرب فريق النصر سابقا) غدا إلى المملكة (يفترض يوم أمس) لتوقيع العقد مع الاتحاد السعودي لتدريب المنتخب ولا أدري ما هي الأسس التي يستند عليها الإعلام في بث مثل هذه الأخبار.. في وقت لم يجتمع فيه الاتحاد بعد خروجنا من آسيا.. واستقالة رئيسه.
وسيتسابق تجار الأزمات – إن صح التعبير- أو ما يشبه (تجار الحروب).. هذه الأيام في طرق أبواب اتحاد كرة القدم لعرض الأسماء.. طمعا في جزء من الكعكة.. (Piece of The cake).. وكان اتحاد كرة القدم غريقا يبحث عن قشة.
ولا أعتقد أن الاتحاد يفكر هذه الأيام في هذا الموضوع فالوقت لا زال مبكرا.. وليست لدى المنتخب استحقاقات قادمة قريبة وهامة.. كأس أمم آسيا القادمة بعد أربع سنوات.. وكأس العالم بعد ثلاث سنوات ونصف.. وكأس الخليج بعد سنتين.. وما عداها.. ليس بذات أهمية.. ويفترض عدم الاستعجال في اتخاذ أي قرار.. فالاتحاد الآن بصدد معالجة الكثير من الأمور الأكثر أهمية من المدرب.. وهو بحاجة للخروج من أزمة آسيا.. والتحرر من تبعاتها وانعكاساتها.. حتى تصبح قراراته.. (أفعال).. وليست (ردود أفعال ).
للحديث بقية عن:
الدعم المالي.. اصلاح الأندية.. واستقلالها.. وأشياء أخرى.
والله من وراء القصد