|


عبدالله الضويحي
الحقيقة الغائبة .. ومسبحة الإمام ..
2011-01-18
ابتعد (سلطان بن فهد) عن المشهد الرياضي.
ويجب أن نكون منصفين له سواء كشخص.. أو كمرحلة..
إذ لا يمكن أن نربط نجاحات شخص ما بنتيجة فريق في كرة القدم (سلطان) كان الساعد الأيمن لـ(فيصل بن فهد) وشريكه في صناعة مجد الكرة السعودية في مرحلة من مراحلها..
و(سلطان بن فهد) صانع أمجاد للرياضة السعودية تحققت في عهده لكن مشكلة البعض عندما يربط النجاح بكرة القدم فقط.
استراح أعتقد ذلك..
لكن.. هل أراح..!؟
هذا هو السؤال.. ابتعد (سلطان بن فهد).. وجاء هذا الابتعاد ليوجه رسالة مضمونها (وماذا أنتم فاعلون ؟) وفحوى الرسالة لا يعني اتحاد كرة القدم.. ولا نتائج الكرة السعودية ومستقبلها..
ذلك أن مثل هذا النجاح لا يرتبط بشخص واحد.. كما أن الفشل كذلك.. إذ لابد من توافر عاملين مهمين:
ــ الفكر الإداري
ــ الدعم المالي
ومتى ما اختل أحد هذين العاملين.. اختلت منظومة العمل ككل
فالمال بدون فكر..
هدر و(مال سايب..) على حد تعبير المثل..
والفكر بدون مال..
ضياع للجهد.. هدر للوقت.. و(نفخ في قربة...) كما في المثل أيضا.. ودون إقلال من قيمة الأمير سلطان بن فهد.. فلا شك أننا متفائلون بقيادة الأمير نواف بن فيصل للحركة الشبابية والرياضية فهو يملك كافة مواصفات وإمكانات النجاح الذاتية.. واكتسب خلال السنوات العشر الماضية المزيد من الخبرات التي تؤهله لذلك.. وتبقى العوامل المساندة هي الأساس..
أكثر من أربعين عاما عاصرت خلالها الرياضة السعودية وكرة القدم على وجه الخصوص مشجعا.. ومتابعا.. منذ أن كنت تلميذا في المرحلة الإعدادية أدرك ما يدور حولي.. وأكثر من خمسة وثلاثين عاما عندما دخلت الصحافة وأنا طالب في بداية المرحلة الجامعية.. شاهد عصر على أحداثها.. وخطابنا الإعلامي الرياضي لم يتغير.. أو خطابنا الرياضي بصورة عامة..
أربعون عاما.. (نمضغ ألياف الكلمات)
ننام على الثناء.. والمديح..
ونفيق على الهجاء.. والنقد..
منذ دورة الخليج الأولى (مارس 1970 ذي الحجة 1389).. بدء مشاركاتنا الفعلية خارجيا وانتظامها.. وقراراتها الشهيرة عندما كان الأمير خالد الفيصل مديرا عاما لرعاية الشباب آنذاك.. عقب ذلك الإخفاق والتي طالت جميع أفراد البعثة من إداريين ولاعبين وجهاز فني.. من شطب وإيقاف وسحب للبطاقة الدولية (عدا أحمد عيد).. وما صاحبها من طرح إعلامي.. مرورا بدورات الخليج.. والبطولات الآسيوية والمونديال..
على مدى هذا التاريخ.. ونحن نجلد ذاتنا عقب كل إخفاق.. أوعدم توفيق.. حتى لو كان على النهائي..
أقول.. مازلنا..
(نجلد ذاتنا بخطبة غراء..
ونسكن في طاحونة..
ما طحنت ــ قط ــ سوى الهواء..)
وعقب كل فوز.. أو بطولة..
يتأهب المادحون الجائعون..
ونتلو القصائد العصماء..
كلما حققت الرياضة السعودية إنجازا.. سواء كان ذلك على صعيد المنتخب أو الأندية.. أو لاعبا على الصعيد الفردي.. أشدنا بجهود المسؤول ونسبنا له النجاح.. وهذا ماحصل مع الأمير سلطان بن فهد.. وأنه وراء ذلك.. وهذه حقيقة وهو يستحق.. وعندما توالت إخفاقات المنتخب (وأسميها كذلك تجاوزا) حملناه وحده المسؤولية.. دون إدراك لمنظومة العمل وتركيبتها.. ومقاييس النجاح والفشل.. في عام 1994 وبعد تأهلنا للمونديال لأول مرة ونتائجنا فيه.. أشدنا بالاحتراف وأن هذا إحدى ثمراته.. علما أنه لم يمض على تطبيقه أكثر من موسمين وأن الإنجاز نتيجة عمل سابق.. والآن.. نطالب بإعادة النظر فيه.. وفشل تطبيقه..
(وهكذا.. يا سادتي الكرام ندور كالحبة في مسبحة الإمام..)
وهكذا.. سادتي الكرام.. أصبح المتلقي.. والجمهور يردد (كالببغاء) ما يقوله هؤلاء.. وما يطرحه هؤلاء..
أقول.. وأؤكد:
بعض من الجمهور.. وبعض من هؤلاء..
لكن هذا (البعض).. أصبح الأكثر تأثيرا.. والأقوى صوتا.. خصوصا في عشر السنوات الأخيرة..
انتقدنا المدرب.. حتى أفقدناه تركيزه..
وانتقدنا اللاعب.. حتى أفقدناه هويته..
وانتقدنا الإداري حتى مللنا نقده..
وانتقدنا المسؤول.. وتجاوزنا الخطوط الحمراء في نقده حتى أبعدناه.. أو ابتعد حفظا لكرامته..
ويبدو أننا سنصبح كالحطيئة عندما خرج ذات يوم فلم يجد من يهجو.. فأطل في البئر.. ورأى خياله في الماء.. فهجا نفسه..
أعتذر ــ سادتي الكرام ــ لكن هذه هي الحقيقة..
فنحن ندور حول الحمى.. دون أن نرتع فيه..
أصبحنا أكثر المنتخبات تأهيلا لدخول موسوعة جينيس للأرقام القياسية في تغيير المدربين.. حتى وهم ينجحون في تغيير خارطة الفريق أوتأهيلنا لكأس العالم..
فقدنا البوصلة..
فأضعنا القبلة..
لأن السماء ملبدة بالغيوم..
لا شمس نراها..
ولا نستدل بالنجوم..
لم نعد نعرف.. من يدير الكرة لدينا..؟
ومن يضع القرار فيها؟
اتحاد كرة القدم.؟
اللجان..
الأندية
مسئوولو الأندية.
الإعلام..
الجمهور الرياضي..
أصبحنا ننافس إذاعات الـ F.M في برامج ما يطلبه المستمعون.. ولا أقول ما يطلبه المشاهدون..
ولهذا..
أصبحت بعض الجماهير تخرج عن حدودها ويخونها التعبير.. وتهذي بما لا تعرف في بعض الأحيان.. وهذا طبيعي.. لجماهير.. تعيش مرحلة المراهقة.. أوتتوقد حرقة.. وتتمتع بحيوية الشباب.. وقد قطعت آلاف الكيلومترات خلف منتخبها.. وتصطدم بنتائجه فتتلقفها الفضائيات في هذه اللحظة.. لتأخذ ردة الفعل. أكثر مما تأخذ منها صوت العقل.
وأنا هنا.. لا أتهم الجماهير.. بعدم الفهم.. أو قلة الوعي..
فقد أصبحت أكثر فهما من كثير من المحللين والقابعين في الاستوديوهات.. والمتسابقين نحو الفضائيات.
حتى أصبح البعض يخرج في قناتين فضائيتين في ليلة واحدة. لكنني أستغرب المفردة التي أصبحت تستخدمها هذه الجماهير.. وهي (مفردة) لم تأت من فراغ.. بقدر ما هي مشتقة من (لغة الخطاب الإعلامي.. أو الرياضي).. المطروح في الساحة حاليا.. أصبحنا نتسابق في تجاوز الخطوط الحمراء.. ليس من باب ممارسة النقد والبحث عن الإصلاح.. ولكن من أجل الاستمتاع بتصفيق الجماهير.. ووصفنا بالشجاعة والجرأة.
لست مع تكميم الأفواه..
ولا مع مصادرة الحريات..
لكن..
الشجاعة.. في نظري.. ليست أن تقول ما تشاء.. كيفما تشاء.. في الوقت الذي تشاء.
وإنما..
أن تقول ما تشاء في الوقت الذي تشاء.. يما يفيد المتلقي ويقنع المسؤول.
والمسؤول في فمه ماء.
فــ (كيف ينطق من في فيه ماء.)
وإن كان بدأ يتمتم في الفترة الأخيرة
وهذا ما أتاح الفرصة لكل من أراد أن يدخل ضمن الدائرة..
سواء من الداخل.. أو الخارج..
وسواء كأفراد.. أو كيانات..
الأكاديمي.. الكاتب الاجتماعي.. القنوات الفضائية...الخ..
بحثا عن الذات..
أو تصفية حسابات..
أو فتح المزيد من الجروح في الجسد الرياضي بحجة البحث عن موضع الألم..
أو بهدف الإصلاح.. وهم كثر بإذن الله..
وهذا أمر طبيعي..
فالرياضة أصبحت هما اجتماعيا..
وفي كل بيت.
وفارضة نفسها ــ بطريقة أو بأخرى ــ على الكل شاء.. أم أبى..
ولأن ثقافة البعض في هذا الجانب سماعية.. أكثر منها إدراكا للحقيقة.. وتعمقا في أسرار اللعبة.. أصبح هناك خلط في المفاهيم..
بين..
رعاية الشباب..
واتحاد الكرة..
وهيئة دوري المحترفين..
والأندية..
ومداخيل كل منها.. ومصدرها.. ومصاريفه.. وميزانيته.. دون إدراك لاستقلالية كل منها عن الآخر.. وطبيعة عمله.. ونظامه..
يخرج أحدهم ممن ينظر إليه على أنه قريب من الوضع الرياضي.. وملم به.. فيقول إن ميزانية رعاية الشباب أكثر من 60 مليار ريال.. دون إدراك لضخامة الرقم (عقلا ومنطقا) فالرقم المذكور هو ماتم تخصيصه لخدمات القطاعات الصحية والتنمية الاجتماعية ومن ضمنها رعاية الشباب.. علما أننا نحتاج لأن نضرب ما هو مخصص لرعاية الشباب في العدد 50 لنلامس هذا الرقم..
وطبيعي أن يأتي من يتلقف هذه المعلومة كحقيقة وفقا لمصدرها.. فيتحدث عن الهدر المالي في رعاية الشباب.. وهو ما حصل..
وأن يأتي من يطالب (بصرف هذه المبالغ) في حل البطالة.. وتوظيف الشباب.. دون إدراك أن الهدر المالي (إذا كنا نؤمن به).. موجود في أكثر من جهة.. وأكثر مما هو لدى رعاية الشباب.. وأن إحدى الشركات المساهمة.. المدعومة من قبل الدولة.. تستأجر مكاتب إدارية لها في أرقى وأفضل المراكز التجارية بمدينة الرياض.. وتصرف الملايين مكافآت لمجلس الإدارة.. وبوفيهات يومية مفتوحة.. دون حسيب أو رقيب.. علما أنها تستطيع بأجزاء من هذه المبالغ بناء أبراج استثمارية.. تستغل بعضها كإدارات لها.. والآخر للاستثمار.. ناهيكم من البنوك.. وإذا كانت رعاية الشباب لم تبن أية منشأة جديدة وأعني تحديدا الملاعب الرياضية منذ عشرين عاما (لأن مقرات الأندية مستمر العمل والبناء فيها).. فإن وزارة الصحة على سبيل المثال.. تعاني من شح في بناء المستشفيات ونقص الأسرة التي تمس صحة المواطن.. وغيرها الكثير من القطاعات دون دخول في التفاصيل.. والسبب.. فيما بين رعاية الشباب.. ووزارة الصحة.. وغيرها.. واحد. لكن رعاية الشباب.. دائما تحت المجهر.. مع أي إخفاق.. أو عدم توفيق لمنتخب كرة القدم.. وننسى معه.. كل معطيات النجاح في مجالاتها الأخرى. من الطبيعي.. أن يتم ذلك.. دون إدراك لأبواب الميزانية وقنوات صرفها في هذا الجهاز.. ودون إدراك.. أن إعانة الدولة لناد واحد فقط في إحدى الدول المجاورة التي لا يزيد عددها عن 14 ناديا تقترب من ضعف ميزانية اتحاد كرة القدم لدينا.. وهو الذي يرعى عشرة أضعاف عدد تلك الأندية، وأن ميزانية اتحاد الكرة لا تغطي مصاريف مدرب عالمي.. يرقى إلى طموحاتنا وأن ميزانية ناد كبير من أنديتنا تعادل عشرة أضعاف ميزانية اتحاد الكرة.
لست هنا.. في مجال الدفاع عن الرئاسة العامة لرعاية الشباب.. ولا عن اتحاد كرة القدم.. ولا أنفي عن الاتحاد أخطاءه.. وقصوره في بعض الأمور أو القرارات.. لكنني أتحدث عن واقع نغفل عنه كثيرا.. الأندية لدينا..ــ أيها السادة ــ تعيش بين مطرقة الدولة.. وسندان القطاع الخاص.. الاحتراف لدينا مصاب بأنيميا حادة.. ونقص في النمو.
وقبل أن نسأل أنفسنا..
لماذا غابت الكرة السعودية عن منصات التتويج ما يقارب العشرة أعوام..؟
علينا أن نسأل..
لماذا.. غابت أندية دوري المحترفين لدينا في هذه الأعوام العشرة.. عن منصات التتويج محليا عدا ثلاثة أندية فقط تتنافس عليها 3 أندية لدينا فقط.. قادرة أن تعيش وتتعايش مع الوضع و150 ناديا.. منهم من يعيش على الصدقات.. ومنهم من ذوي الدخل المحدود.. والغالبية تعيش تحت خط الفقر. قبل أسابيع دعوت إلى تبني مؤتمر موسع لمناقشة اقتصاديات الرياضة , وقبل أكثر من موسم دعوت لمؤتمر موسع لمناقشة استراتيجيات الرياضة والوضع العام.. وأعتقد أن الوقت الآن أصبح أكثر ملائمة وحاجة لذلك..
وللحديث بقية في (منتصف الأسبوع القادم) بإذن الله..
والله من وراء القصد