|


عبدالله الضويحي
الميكيافيللية.. و.. نيوتن ويا قلب.. لا تحزن
2010-12-28
ميكيافيللي.. فيلسوف إيطالي عاش في عصر النهضة.. بين القرنين الخامس عشر والسادس عشر.. له آراؤه.. ومواقفه المعروفة خاصة تجاه الساسة والسياسة.. ولعل من أبرز أقواله في هذا الشأن: (من الأفضل أن يخشاك الناس على أن يحبوك) والثاني: (الغاية تبرر الوسيلة) وهذا الأخير اشتهر واشتهر به..وهو الأشهر بين آرائه وأقواله.. بل إنه أصبح مثلا.. لترجمة بعض المواقف حتى وإن لم يذكر مصدره أو يعرف.. ومن هنا ظهرت الميكيافيللية كمصطلح.. كناية عن استخدام كافة الوسائل بغية الوصول إلى الهدف.. أو تحقيق التفوق.. بغض النظر عن مدى شرعية هذه الوسائل من عدمها.. حتى لو تطلب الأمر القوة.. أو كسر القوانين..
نيوتن..
عالم فيزيائي انجليزي عاش بين القرنين السابع عشر والثامن عشر.. وهو صاحب التفاحة ومكتشف الجاذبية حيث اشتهر بها واشتهرت به.. وواضع علم الحركة.. وله في ذلك ثلاثة قوانين أشهرها القانون الثالث الذي يقول:
(لكل فعل رد فعل مساو.. له في المقدار ومضاد له في الاتجاه).
وإذا كان ميكيافيللي.. عنى السياسيين وقصد الساسة بآرائه وأقواله وكان يتحدث عن ذلك كثيرا.. ونيوتن قصد علم الحركة.. وتحديدا حركة الأجسام.. ووضع شروطا لقانونه الثالث.. إلا أنه تم إخراج مقولة ميكيافيللي.. وقانون نيوتن من خصوصيتهما.. كمنطق سياسي.. وحقيقة علمية.. إلى مفهوم ثقافي عام.. يمكن توظيفه في أي مجال سواء بصورة فردية أو جماعية.. والرياضة.. هي أحد هذه المجالات.. وكرة القدم على وجه الخصوص..
لذلك..
غني عن القول.. لو تساءلنا عن مدى وجود الميكيافيلليه وبروزها كنظرية في هذه المنافسات.. وكذلك.. القانون الثالث لنيوتن في علم الحركة. إذ أن الواقع يؤكد تواجدها كحقيقة.. وتناميها.. بل.. وتطورها.. وتنوع أساليبها..
فالتصاريح الصحافية.. والتنقل بين الفضائيات.. والتقليل من شأن الآخرين.. والحط من قيمهم..وأوضاعهم الاجتماعية.. والتشكيك في قدرتهم على التفوق.. والسعي لمصادرة نجاحاتهم.. كل هذه الأساليب.. لم تعد مجدية في نظر البعض لصناعة التفوق.. وطرق أبواب النجاح.. وربما أصبحت “منتهية الصلاحية”.. ليتم اللجوء إلى أساليب مباشرة
بالطعن في الذمم.. والتطاول على الذات.. وتشويه السمعة.. وبث الإشاعات.. ومس كرامة الإنسان.. التي حفظها له خالقه من سابع سماء
(ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا)
وسواء كان ذلك المس لذات الإنسان.. أو للجهة الرسمية التي يمثلها هذا الإنسان
والأمر..
لم يعد مقصورا على فئة دون أخرى.. أو مرتبطا بموقع هذا.. أوذاك قدر ارتباطه بالهدف والوسيلة.. والفعل ورد الفعل..
اللاعب..
(يدوس).. على زميله من الفريق المنافس وربما زميله في المنتخب وجعله قنطرة يعبر عليها تجاه المربع الآخر.. ولا يتوان عن إصابته.. إذا تطلب الأمر..
الإداري..
يمارس سلطته.. ونفوذه بتصرف.. ظاهره الإحساس بالقهر والشعور بالظلم الآني.. وباطنه توجيه رسالة مستقبلية لمن يعترض طريقه.. حتى لو كان بالنظام أو ممثلا للقانون.. وفي جانب آخر.. ينهي عقد المدرب لأنه دون مستوى الطموحات.. ويعجز عن توظيف قدرات اللاعبين.. أو.. يتهم اللاعبين بالتقصير وأنه – أي النادي - قد وفر لهم كل شيء. وبين هذه وتلك.. رموز ومكونات لمعادلة يستعصي حلها.. حتى على نيوتن.
والجمهور..
صدى لما يحدث.. لهذا تحكمه (ثقافة القطيع).. كما في لغة الإعلام.. ويتحول إلى مقود بدلا من أن يكون (قائد).. و(تابعا).. بدلا من أن يكون (متبوعا)..
والإعلامي..
يبحث بين السطور عن مبرر لهذه التصرفات..وإن لم يجد.. كان قانون نيوتن الثالث جاهزا كمبرر.. فهي ردود أفعال.. وينسى أن “رد الفعل” المقبول.. تحكمه أنظمة وقوانين.. وله حالات وشروط. ولو كان الأمر متروكا “للفعل ورد الفعل”.. لاختلطت الأمور.. وتحولت الحياة إلى فوضى.. ونسي الممثلون أدوارهم الحقيقية على خشبة المسرح.. وخرجوا عن النص. واللجان المسؤولة.. وذات العلاقة.. عاجزة عن إيقاف هذه الممارسات..
فهي تارة تتخذ قرارا.. وتارة.. تعجز.. وثالثة تتفرج.. ورابعة تتردد.. وخامسة.. وسادسة..... لا تدري ماذا تعمل.؟ تتفاوت قراراتها.. وتختلف.. أمام حدث واحد.. وتصرف واحد.. لأقطاب مختلفة.. فتدخل دائرة الاتهام.. وتعين على التجاوزات..
ردود الفعل..
سواء ما تم.. أو ما سيتم.. هي التي تحكم بعض القرارات.. اللوائح.. (مطاطة).. وتفسيرها يختلف من حادثة لأخرى.. ليس لاختلاف الحادثة.. بقدر ما هو لاختلاف المتسبب في الحادثة.. والمسئول الأول.. يعطي هذه اللجان الصلاحية.. ويدعوها لوضع لوائح واضحة وصريحة.. ويناشدها بتطبيق هذه اللوائح.. لكن هذه اللجان.. تأبى إلا أن تضع نفسها بين مطرقة الفعل وسنديان رد الفعل.
تتم مساءلة الحكام..
وإيقافهم.. والتشهير بهم.. وهز الثقة فيهم.. والإعلان أمام الملأ.. أنهم غير أكفاء. أو مؤهلين.. لأنهم ارتكبوا أخطاء هي في عرف القانون وفي فهم معاقبيهم طبيعية.. ومقبولة كعملية نسبية. وهي جزء من اللعبة – كما يؤكدون ــ وهو بشر.. – كما يكررون- ولم تك ذات تأثير كبير ومباشر.. على وضعية المباراة.
أفهم.. ونتفهم..
أن يعاقب حكم لأن قراراته في مجملها.. صبت في مصلحة أحد الفريقين..
لكن..
عندما.. يجمع المحللون التحكيميون على نجاحه.. أو.. أن اخطاءه على الجميع.. وأن كلا من الطرفين تضرر من قراراته.. أو استفاد..
هنا..
يحق لنا أن نتساءل.. لماذا تتم معاقبته.؟ هل القضية.. امتصاص لردة الفعل.. أو ترضية أحد الأطراف. وإذا كان ولابد.. لماذا لا توضح اللجنة.. وبالتفصيل الأخطاء التي وقع فيها الحكم.. وأدت إلى عقوبته..؟ أما تركها مفتوحة بهذه الصورة.. فإن صاحب الصوت الأعلى..هو المستفيد من خلال قدرته على تجييرها لصالحه.. والظهور بمظهر المتضرر.. وأن معاقبة الحكم جاءت إنصافا له.. وهو أبعد ما يكون عن ذلك.. لقد حرمت منتخبات عالمية من الدخول إلى نهائيات كأس العالم..بسبب أخطاء التحكيم.. وخسرت أخرى نهائي كأس العالم.. للسبب ذاته.. ولنفس الأسباب.. تخسر أندية عالمية.. وتتضرر لكننا لا نشاهد ردود أفعال كما هي لدينا.. ولا يتم إيقاف الحكام أو معاقبتهم.. لإيمانهم جميعا ودون استثناء – حتى المتضررــ بقانون اللعبة.. والاحتمالية الواردة للخطأ. إن معاقبة الحكام.. والتعامل معهم.. يجب إن تنطلق من نواح تربوية تأهيلية.. قبل أن تكون قرارات تأديبية.. وإذا كنا سنتعامل مع حكامنا بهذه الطريقة سنجد أنفسنا ذات يوم نبحث عن الحكم الجيد فلا نجده.. لأنه أصبح عمله صعبة.. وبالتالي.. لا غرابة عندما أصبحت قائمة النخبة الآسيوية تخلو من الحكم السعودي.. وأصبح هذا الحكم يغيب عن المحافل الدولية.
الإداري..
الجمهور..
يخطئ.. يتجاوز القانون.. ويتم تعزيمه.. أو فرض عقوبة مالية عليه.. ويعود مرة أخرى..
وهكذا..
الإداري القادر على الدفع.. بغض النظر عن مركزه الاجتماعي.. لا يهمه كم سيدفع.. في سبيل تحقيق هدفه فالغاية لديه تبرر الوسيلة. وربما تم تحميلها ميزانية النادي والجمهور.. الذي سيتحمل النادي تبعات أخطائه وخروجه عن النص لا يهمه هو الآخر.. ما لم تكن العقوبة تمس الشخص ذاته..
وما لم يتم حفظ حقوق الآخرين.. والانتصار لكرامتهم.. سواء كان هذا الآخر.. مسئوولا أو إداريا.. أو ممثلا للسلطة.. او ممثلا للقانون.. وسواء كان مواطنا.. أو غيرمواطن. فالحق الخاص.. لا يلغيه معالجة الحق العام..
بل إن السؤال المطروح..
لماذا ننتظر الخطأ.. ثم نبحث عن علاجه.؟ ألم نتعلم في المرحلة الابتدائية ان (الوقاية خير من العلاج)..؟ لماذا.. لا نعمل على ذلك.. وبالقانون أيضا وليس الاجتهاد..؟
في كل ملاعب العالم..
وفي كل الملاعب العالمية.. سواء على نطاق دولي.. أو محلي.. لا يتواجد في الملعب إلا الحكام.. واللاعبون.. والجهاز الفني. أما ملاعبنا فإنها تعج بأرتال من البشر بعضهم يموج في بعض.. فهذا رئيس ناد.. وذاك إداري.. وآخر مصور.. ورابع يدعي العمل.. وخامس يبحث عن الشهرة.. وسادس ينتظر القنوات الفضائية.. وبعض الآراء جاهزة ومعلبة قبل أن تبدأ المباراة ليتم الكشف عنها بعد المباراة.. وهكذا.. أذكر في مباراة هامة.. وتنافسية.. وكنت بجانب الزميل المعلق ناصر الأحمد كمحلل.. وأثناء نزول أحد الفريقين أرض الميدان قادما من غرف الملابس.. أن كان بمعيته 23 شخصا بثيابهم وغترهم البيضاء.. عدا الجهاز الفني واللاعبين.. ثم افترق الجمع فريق للمنصة وفريق لدكة الاحتياط.. وأقسم أن الرقم تجاوز الـ20 حيث كان لافتا للنظر مما اضطرني لعده بسرعة.. هؤلاء.. ما هو دورهم. ولماذا ينزل بعض الأعضاء.. إلى غرف الملابس ويحضرون شرح الخطة.. وتوجيهات المدرب.. وكل منهم ينصح ويوجه ويدعوهم (شدوا حيلكم).. واذكر أنني اطلعت على ورقة التسجيل الخاصة بأحد الفرق.. فكان أن تم وضع اسم نائب الرئيس مكان اسم المترجم فنزل مرافقا للرئيس وبقية الجهاز الفني واللاعبين.. حيث أن هذا النادي لم يكن بحاجة لمترجم.. وتم تسجيله في مكانه. كتحايل على النظام.. وبموافقة المراقب الإداري للمباراة.. أي أن القضية أن يجلس هذا العدد.. يغض النظر عن مهامهم وواجباتهم. ونتساءل..
لماذا..
لا يصدر قرار صريح وواضح.. يمنع منعا باتا أن يتواجد في أرض الملعب غير المعنيين بالمباراة (الحكام.. اللاعبون.. الجهاز الفني ). كما هو النظام المعمول به في كل أنحاء العالم.
و المتابع للدوريات الأوروبية.. وغيرها.. يلحظ دائما تواجد رئيسي الفريقين في المنصة الرئيسية.. وخلو مقاعد الفريق.. من أي عناصر لا تشارك بصورة مباشرة إما كلاعبين أو جهاز فني وطبي.
إن قرارا كهذا.. من شأنه أن يحد كثيرا من مشاكل نحن في غنى عنها.. ويحفظ للمباراة.. جمالها ورونقها.. وللمنافسة شرفها وقدسيتها.. وهو أحد مفاتيح حل المعادلة.. والله من وراء القصد