|


عبدالله الضويحي
اقتصاديات .. المونديال
2010-07-27
أكثر من 10 مليارات دولار .. نعم عشرة مليارات .. أو ما يقارب (40) مليار ريال سعودي .. وربما أكثر .. كانت تتحرك ويموج بعضها في بعض خلال شهر واحد فقط .. أثناء كأس العالم الذي انتهى قبل أسبوعين ..(في منتصف الأسبوع) الماضي .. وضمن سلسلة مقالات عن المونديال .. تطرقت في جزئية بسيطة إلى المال والاقتصاد وهو ما أطلقت عليه (اقتصاديات المونديال) إن صحت التسمية .. ووعدت بأن أتطرق لذلك في مقال خاص .. وهو حديثنا اليوم .. والحقيقة أنني لست متخصصاً في هذا المجال حتى أتحدث عنه بعمق وبصورة تحليلية .. ذلك أن خير من يتحدث عن ذلك هو الأخ والصديق الدكتورحافظ المدلج فهو الأقرب والأقدر .. سواء بحكم عضويته في الفيفا .. أو معايشته أجواء المونديال عن كثب كمسؤول ومتابع .. أو بصفته متخصصا في الاقتصاد ومجال الاستثمار الرياضي ..هنا سأتحدث بلغة المتابع المشدود إلى لغة الأرقام .. أكثر من رؤية المحلل المتخصص ..
أعرف أن لغة الأرقام لغة مكروهة لدى البعض لأنها لغة جافة .. أو جامدة وغير متحركة .. لكنها تظل لغة الحقيقة .. التي تبنى عليها الكثير من النظريات والدراسات وخطط المستقبل ..
شخصيا أجدني دائما مشدودا لهذه اللغة .. ربما بحكم التخصص الأكاديمي .. وربما لأنها لغة المنطق والمصداقية .. التي لا تتأثر بالعواطف ولا تخضع للمؤثرات الجانبية .. ندخل إلى الموضوع مباشرة .. لنقف أمام جملة من الحقائق .. حول المونديال الأخير 2010 وبلغة الأرقام سواء الصادرة من الفيفا .. أو عبر لوائحه وأنظمته ..أو من مؤسسات مالية ودولية معتمدة ..

أولا:
الفيفا..
بلغت أرباح الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) من كأس العالم الأخيرة فقط مايقارب الألف مليون دولار .. (مليار دولار) .. هذا المبلغ دخل صافيا خزينة الفيفا .. بعد أن صرف مليارين ونصف المليار (2.5) مليار دولار أو يزيد مابين دعم للاتحادات الوطنية المنضوية تحت لوائه تحت بند التطوير والدعم المالي .. أو تطوير برامجه والدوريات المحلية في بعض دوله .. وبين صرفه على المونديال .. الدخل الإجمالي للبطولة .. الذي تحصل عليه الفيفا .. كان في حدود 3.5 مليار دولار .. مايقارب (14) مليار ريال سعودي فقط لاغير .. هذا الدخل جاء من خلال عائدات النقل التلفزيوني والدعاية والإعلان و..و .. إلخ
دعم المنتخبات ..
كل اتحاد وطني يتأهل منتخبه للمونديال .. يحصل على مليون دولار لإعداد منتخبه لهذه المناسبة الكبيرة لضمان الظهور بمستوى مشرف .. وكل منتخب يخرج من دور الـ 16 الدور الأول من البطولة يحصل على 8 ملايين دولار لقاء مشاركته .. أي أن .. أي منتخب شارك في المونديال تحصل على دعم بـ 9 ملاين دولار على الأقل (حوالي 33 مليون ريال سعودي) هذا المبلغ يزيد كل ماتقدم المنتخب مرحلة في المونديال .. ويصل قمته بالنسبة للبطل ..يحصل بطل كأس العالم على جائزة مالية قدرها 30 مليون دولار .. فيما يحصل الوصيف على 24 مليون دولار ..

والأندية أيضا ..
حتى الأندية يعمها خير الفيفا .. فالأندية التي يشارك لاعبوها الأجانب مع منتخباتهم الوطنية في نهائيات كأس العالم تحصل على مبالغ مالية مقطوعة عن كل يوم يقضيه اللاعب في المونديال .. وعلى هذا الأساس .. وللتوضيح فإن نادي الهلال السعودي حصل على مبلغ مالي من الفيفا مقابل مشاركة لاعبه الكوري الجنوبي لي يونج بيو مع منتخب بلاده ..

اللاعبون ..
إحدى المؤسسات المعتمدة والمتخصصة في الاستثمارات المالية .. وضعت إحصائية قدرت من خلالها أسعار اللاعبين .. والمنتخبات المشاركة .. حيث قاربت 3 مليارات دولار .. على النحو التالي:
ـ ميسي الأرجنتيني في المركز الأول وقدرت سعره بـأكثر من 200 مليون دولار وهو مايعادل تقريبا نصف قيمة لاعبي الأرجنتين مجتمعين ..
ـ كريستيانو رونالدو البرتغالي أكثر من 140 مليون دولار (نصف قيمة لاعبي منتخب البرتغال)
ـ روني الإنجليزي (88 مليون دولار)
ـ دروجبا من ساحل العاج و، وفرانك ريبري الفرنسي .. وكل منهما (72 مليون دولار)

المنتخبات ..
أما على مستوى المنتخبات .. فقد جاء ترتيب أعلى عشرة منتخبات على النحو التالي :
ـ إسبانيا بأكثر من 450 مليون دولار(مجموع قيمة عقود لاعبيه)
ـ الأرجنتين أكثر من(440) مليون دولار ـ انجلترا .. حوالي 400 مليون دولارـ ثم البرازيل والبرتغال (أكثر من 300 مليون)
ـ فرنسا ، ألمانيا ، هولندا (بين 200 ـــ 300 مليون) ثم ساحل العاج وإيطاليا حوالي 200 مليون دولار ..

الغريب ..
أن إيطاليا بطل النسخة السابقة .. جاء مجموع عقود لاعبيها في المركز العاشر (191 مليون دولار) وهولندا وصيف البطل في المركز الثامن (233 مليون) وألمانيا السابع (234) مليون دولار ..وإذا ما وضعنا رقما تقديريا لأسعار لاعبي المونديال وفقا لهذه المعدلات في المنتخبات الـ 22 المتبقية وبسعر يميل للتقدير الأقل توقعا .. نجد أن قيمة أسعار اللاعبين المشاركين في الأولمبياد .. قد تتجاوز الــ 7 مليارات دولار .. أي أن حوالي 25 مليار ريال سعودي .. كانت تتحرك في ملاعب جنوب أفريقيا أثناء المونديال ..

المدربون ..
على صعيد المدربين .. ـ كابيللو مدرب انجلترا (بالمناسبة ايطالي) هو الأغلى حيث يتقاضى حوالي 9 ملايين يورو سنويا أي حوالي 23 ألف يورو يوميا (أكثر من مائة ألف ريال سعودي)ـ يليه مارشيللو ليبي مدرب إيطاليا بـ (3) ملايين يورو سنوياـ ثم الألماني يواكيم لوف 2.5 مليون يورو سنويا ..
ـ ومن المفارقات أن وصيف البطل (هولندا) والبطل (اسبانيا) .. يأتيان في المركزين الرابع 1.8 مليون يورو ، والخامس 1.5 مليون يورو ..

أما الغريب ..فإن أقل مدرب أجرا في المونديال فهو مدرب كوريا الشمالية كيم يونج حيث يتقاضى 170 ألف دولار فقط في السنة .. وهذا المبلغ يعادل ما يتقاضاه مدرب انجلترا في الأسبوع الواحد ..أي أن مدرب انجلترا يتقاضى عشرة أضعاف ما يتقاضاه المدرب الكوري الشمالي..

مليارات .. تتحرك ..
وإذا مارجعنا لتلك الأرقام .. ومحاولة وضع قيمة تقديرية لرواتب بقية المدربين .. نجد أن أكثر من 10 مليارات دولار (مايقارب 40 مليار ريال سعودي كانت تتحرك في جنوب أفريقيا .. أيام المونديال .. عدا الأشياء العينية من هدايا .. تكاليف .. وبنى تحتية .. إلخ وهذا رقم كبير .. يعادل ميزانية دولة .. بل أكثر من عدة دول مجتمعة من دول العالم الثالث ..

ماذا تعني هذه الأرقام ؟
فعلا .. هذا هو السؤال .. الذي قد يطرحه البعض .. وما الفائدة من طرحها والإشارة إليها .. ؟ قد يكون البعض .. وربما الكثير يعرفها ... أو على الأقل يدرك حجمها .. وحجم الإنفاق ..لكن مايجب أن يدركه الجميع .. هو كيفية النظر إلى الرياضة بصورة عامة .. وكرة القدم بصورة خاصة .. وموقفنا منها .. لم تعد الرياضة هواية تمارس .. ولا خططا تنفذ .. وكذلك الحال في كرة القدم .. وإن كانت الهواية هي الأساس مثلها مثل أي مرفق آخر .. يسعى من يزاوله إلى النجاح فيه .. إلا أنها ــ أي الرياضة ــ أصبحت جزءا من منظومة التنمية في أي بلد .. شأنها شأن القطاعات الأخرى .. لكن الرياضة .. تمتاز بكونها القطاع الأكثر ــ إن لم يكن الوحيد ــ الذي يستطيع تمويل نفسه ذاتيا .. بل ويحقق عوائد استثمارية .. سواء على الصعيد المادي أو المعنوي .. وسواء كان ذلك على صعيد الأندية والاتحادات الوطنية .. أو على مستوى الدول ..لم تعد الأندية .. تصرف على نفسها .. ولم تعد الدول تصرف على منتخباتها .. بل أصبحت تحقق عوائد استثمارية من خلال ذلك .. وتحقق نوعا من الاستقرار السياسي كما حصل لإيطاليا عندما استضافت مونديال 1938 في عهد موسيليني .. أو الأرجنتين عام 1978 ..

ريال مدريد .. على سبيل المثال اشترى عقد لاعبه كريستيانو رولاندو بـ 94 مليون يورو .. وبلغت عوائده من بيع قميصه (فقط) .. وخلال عام واحد .. 100 مليون يورو ..

مانشستريونايتد ..
يعتبر هو العلامة الرياضية الأكثر قيمة في العالم .. إذ بلغت وحسب تقديرات مجلة فوريس العالمية وهي مجلة متخصصة .. 1.84 مليار دولار ..

ونحن ..
لازلنا نعتمد في استثماراتنا الرياضية على شركتين أو ثلاث .. وفي مجال واحد ..ولا زلنا نبيع بعض الإستثمارات .. بثمن بخس .. !!وحتى بعض الإستثمارات في الأندية أو غيرها .. تقوم على المجاملة والفزعة (وكأنها هبات بفضل ومنة) .. والعلاقات الشخصية .. وحب الخشوم .. !! ولا زالت العلامات التجارية للأندية غير محفوظة .. وغير مستثمرة .. بل إنها مستثمرة لآخرين استغلوا الفرصة وأثروا على حساب الأندية

..الأندية لدينا ..
لازالت تعتمد على السماسرة في اختيار اللاعبين الأجانب .. ولذلك نجد الاستغلال .. وفشل العقود وكثرة التجارب .. دون أن تفكر في لاعبين يمثلون منتخباتهم الوطنية لتستفيد منهم فنيا .. وماديا .. وإعلاميا عندما يتردد اسم النادي في المونديال وعلى ألسنة المعلقين .. وفي أروقة الفيفا .. بحكم انتماء هذا اللاعب له .. أو ذاك ..

نريد ..
فكرا رياضيا يعي دوره .. ووعيا استثماريا يدرك أهميته .. وهذا لن يتأتى مالم نخلق المناخ المناسب الذي ينمو فيه هذا الفكر .. والبيئة الصالحة لذلك الاستثمار .. نريد ..منتخبا قويا .. له حضوره الدائم والفاعل .. في المناسبات الرياضية ..وأندية قوية .. لها تواجدها المؤثر في البطولات القارية ..إذا ما أردنا ذلك ..علينا أولا ..أن نصلح أنفسنا من الداخل ..دوري قوي .. فالدوري القوي يصنع منتخبا قويا .. ولنا في اسبانيا خير مثال .. كما أشرت في مقال سابق .. والدوري القوي .. لايتأتى إلا من خلال دوري منتظم .. وأندية قوية منظمة .. قادرة على الحضور فيه .. وتمويل نفسها ذاتيا .. بما يساعدها على البقاء .. وهذا .. لايمكن أن يتأتى ــ أيضا ـ مالم تصلح بيئة هذه الأندية .. ونصلحها من الداخل .. ونعيد صياغتها من جديد .. وهذا كله يتطلب منا حملة كبرى .. توعوية .. تعتمد على تطوير الفكر الرياضي .. وتعميم الثقافة الرياضية في الاتحادات .. الأندية .. اللاعبين .. والإعلام وهو المهم ..وتطوير الفكر الاستثماري وأبعاده .. وقبل هذا .. إصلاح الأندية ـ مرة أخرى ـ الشركات الكبرى .. والمصارف .. وغيرها .. لايمكن أن تطرق أبواب الأندية ..ولا يمكن أن تخضع لـ (حب الخشوم) !! لكنها .. ستدخل حلبة السباق .. في هذا النوع من الاستثمار .. وستدفع أكثر .. متى ما وجدت المضمار .. جاهزا وسليما .. والسباق له قوانينه وأنظمته الواضحة .. والمتسابقون يتمتعون بنفس الحقوق والواجبات ..
والله من وراء القصد

اليابان .. أمريكا
نموذج التغيير..
ذات يوم .. قال صانع المحركانت الياباني الشهير .. تاكيو أو ساهيرا : (إذا كان الناس يعملون ثماني ساعات في اليوم فسأعمل تسع ساعات .. ثماني ساعات لنفسي والتاسعة من أجل اليابان)وجعل كل عامل ياباني يحمل نفس الشعار .. وكانت اليابان !

وذات يوم ..
قال هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق وعراب سياستها وأحد دهاتها .. وهو الذي جاءها هاربا إليها من ألمانيا وكان في الـ 15 من عمره .. بما معناه :(إذا كانت أمريكا تريد أن تعيش مع العالم وتتعايش .. أو بما معناه يكون لها دورها .. إلخ .. يجب أن تنظم كأس العالم ) وكان لها ذلك .. وهي البلد الذي لايعرف كرة القدم !

عام 1988
في الدوحة حيث الدورة التاسعة .. كانت أول مشاركة لليابان في كأس الأمم الآسيوية .. وخرجت من الدور الأول .. وفي 1992 استضافت البطولة العاشرة وفازت بها .. وفي عام في عام 2002 استضافت نهائيات كأس العالم .. وهي الآن رقم ثابت فيه .. بل وتتخطى أدواره الأولى ..أمريكا .. إلى عهد قريب .. لم يكن يوجد فيها ملعب كرة قدم .. ولا تعترف بهذه اللعبة ..

عام 1974
عندما اعتزل بيلية تعاقد معه نادي كوزموس الأمريكي ليلعب له .. وتلاه التوجه إلى باكنباور .. ثم كرويف .. ومشاهير الكرة آنذاك .. وغيرهم من النجوم .. ولأن أمريكا بلد الإعلام .. فقد عرفت كيف تستثمره .. وبعد ذلك استضافت كأس العالم 1994 .. بعد أن سلمت الملف للداهية كيسنجر .. وأصبحت رقما ثابتا .. ومتفوقا فيه .. وتسعى لاستضافته عام 2018 أو 2022 وقد سلمت الملف لذات الشخص الذي تجاوز الـ 87 من عمره ..اليابان .. وأمريكا .. نموذج للإيمان بأهمية كرة القدم .. ولكيفية النجاح .. والتخطيط السليم ..اليابان .. قوة اقتصادية .. ومأوى كثير من المستثمرين في هذا المجال .. لكنها أدركت أن حضورها في كرة القدم لابد أن يكون .. لأنه دعم لهذه النجاحات .. وأمريكا .. قوة اقصادية وعسكرية .. ومأوى كثير من الساسة .. ورجال الأعمال و(الراكعين) .. تحت قدميها .. ومتفوقة على مدى التاريخ في الألعاب الأولمبية .. لكنها هي الأخرى أدركت أن بقاءها خارج منظومة كرة القدم .. تقليل من قيمتها .. وحضورها يفتح لها أبواب مجد وهيمنة أخرى ..اليابان .. وأمريكا .. دليل على أن النجاح يعتمد على :
ـ تحديد الهدف ..
ـ والسعي لتحقيقه ..وأنه .. لا يكفي أن يكون لك مبدأ لتحقق النجاح .. ولكن لابد ..أن تؤمن بهذا المبدأ أولا .. ثم تعمل على تحقيقه .. والحديث هنا يطول .. لكنه لايحتاج إلى مزيد من الشرح ..
والله من وراء القصد