|


عبدالله الضويحي
... في الفيفا لخبرا .. وفي المونديال لعبرا ..
2010-07-20
قفزت إلى ذهني وقد سرح بي التفكير وأنا أبحث عن مقدمة لهذا الموضوع .. مقولة الحجاج بن يوسف الثقفي ضمن خطبته المشهورة لأهل العراق بعد ندبه كوالٍ لهم .. ورغم اختلاف الحدثين .. زمانا ومكانا . والتناقض بينهما حتى في الروح الرياضية التي كان يفتقدها الحجاج .. إلا أن مقولته تلك علقت في ذهني عندما قال :
(... إن في السماء لخبرا وإن في الأرض لعبرا .. ) .. ووجدتها خير وصف يمكن أن يطلق على كأس العالم .. مع تحوير بسيط .. (إن في الفيفا لخبرا وإن في المونديال لعبرا)
فعلا ..
إن المتأمل للاتحاد الدولي لكرة القدم .. مكانته .. نظامه .. أسلوبه .. ولكأس العالم أو المونديال ومافيه من أحداث ... سواء كان ذلك على المستوى التنظيمي .. أو التنفيذي .. ودقائق الأمور .. يخرج بالكثير من الدروس والعبر .. فهي دورة تأهيلية مفتوحة لمن ألقى السمع وهو بصير ... والمونديال كتاب مفتوح لمن أراد النهل من معينه والإبحار مع حروفه .. والمونديال .. دليل كاف وشرح واف يغني عن الكثير من الخبراء والدراسات ..
هل نتحدث عن سقوط الكبار أو تساقطهم .. !؟
والكبار هنا .. لاتعني المنتخبات فقط .. وهي التي تحدث عنها كثيرون وتحدثت عنها في حلقات سابقة .. وإنما ايضا عن اللاعبين الكبار أنفسهم .. !!
هل فقد المونديال متعته الفنية ؟
وانخفاض نسبة التسجيل .. هل هي دليل على ذلك ... ؟
أم أنها نتاج تطور أساليب كرة القدم ,.. ؟
ماذا عن التحكيم .. ؟ وعن استخدام التكنولوجيا في إدارة المباريات .. ؟
الملايين التي تتحرك في المونديال .. يمنة ويسرة .. سواء داخل الميادين وأرضية الملاعب .. أو حولها .. والأرقام التي دخلت خانة الأصفار العشرة .. أو ما يمكن أن نسميه (اقتصاديات المونديال) إن صحت التسمية.. وهذه تحتاج إلى مقال مستقل وخاص ..
النقل التلفزيوني ..
صغائر الأمور .. ودقائقها .. الانضباط .. الدقة واحترام المواعيد .. في بدء المباريات .. تحركات اللاعبين .. المسؤولين .. الاجتماعات .. فكل شيء عندهم بمقدار ..
التخطيط للمستقبل .. واستراتيجياته .. وتدشين البطولة المقبلة 2014.. بكافة تفاصيلها وأرقامها .. وحساباتها الاقتصادية .. ونحن حتى الآن مختلفون حول بطولة تبقى عليها بضعة أشهر .. !!
والكثير الكثير .. مما يمكن الحديث عنه ..

مونديال .. الشباب
على أن فوز إسبانيا وهولندا وألمانيا بالمراكز الثلاثة الأولى على الترتيب في مونديال 2010 هو أكثر ما لفت الأنظار .. وهو الأولى بالحديث من غيره ..فلو أن سؤالا تم طرحه عقب نهاية مونديال 2006 الذي تصدرته ايطاليا ثم فرنسا ثم ألمانيا ثم البرتغال .. عن بطل 2010 المتوقع .. لظلت الترشيحات تدور ضمن الدائرة نفسها .. (دائرة الكبار) .. وأعني من سبق له الفوز بكأس العالم .. خاصة البرازيل والأرجنتين وألمانيا وايطاليا .. ثم فرنسا .. وهذه التوقعات كانت يمكن أن تعطى أيضا على المدى المنظور .. لكن مصطلح (الكبار) في عالم كرة القدم .. لم
يعد هو المصطلح السائد بمفهومه المتوارث في هذا العالم ..
(الكبار) .. سواء كانوا ثلاثة أو أربعة أو أكثر من ذلك أو أقل .. لم يعد يعني (الكبار) في المستوى الفني والنتائج .. أو البطولات .. بقدر ما أصبح مرتبطا بقوى معينة سياسية كانت أو اقتصادية .. أو اجتماعية .. لها تأثيرها في كرة القدم .. أما على المستوى الفني .. فقد انهار سور الدائرة المحيطة بهم .. كما انهار جدار برلين
مونديال 2010 ..
وضعنا أمام حقيقة هامة .. وهي أن كرة القدم أصبحت علما قائما بذاته .. يعتمد على التخطيط العلمي .. والفكر الفلسفي ..ولم تعد الموهبة هي التي تصنع الفارق .. وإن كانت مفيدة في بعض الأحيان لتوظيف الحلول الفردية .. لكن السيادة أصبحت للأداء الجماعي المنظم .. وأصبح هناك ما يمكن أن نسميه بالفريق النجم وليس اللاعب النجم .. !!
هذه الحقيقة تجسدت في مثالين :
الأول :
لو لاحظنا المونديالين الأخيرين وهما ما يمثل واقع وتطور الكرة العالمية خلال العقد الأخير .. وبداية الألفية الثالثة .. نجد سيطرة الكرة الأوربية.. على المراكز الأولى .. ففي مونديال 2006 كان الدور نصف النهائي أوربيا .. وكذلك في 2010 كان الدور نصف النهائي أوربيا .. عدا أورجواي .. والأورجواي هي حالة استثنائية .. إذ لم يكن الطريق شائكا أمامها .. كما أنها سقطت في النهاية أمام فريقين أوروبيين .. لكننا نعني منتخبات مثل البرازيل والأرجنتين .. مما يؤكد .. ما ذهبت إليه .. في مفهوم كرة القدم في العصر الحديث ..
الثاني :
لو نظرنا إلى المنتخبات المتصدرة لمونديال 2010 نجد أن اسبانيا فازت أربع مرات بجائزة الاتحاد الأوروبي لكرة القدم لأفضل نتائج حققها منتخب الشباب .. وأن هولندا .. هي بطل الأمم الأوروبية 2007 تحت سن 21 سنة .. وأن ألمانيا هي بطل الأمم الأوروبية 2009 تحت سن 21.. ناهيك من أمر مهم قبل الدخول إلى التفاصيل .. وهو الاستقرار الفني والإداري الذي تعيشه هذه المنتخبات في السنوات الأخيرة .. وهذا ما تحدثت عنه في الأسبوع الماضي ..
إسبانيا ..
على سبيل المثال يضم في صفوفه لاعبين صغار وفي مرحلة الشباب ..خافي مارتينيز 22)) .. بدرو (23) .. فابريجاس (23) وهم من أبرز نجومه ..
هولندا ..
هناك جريجوري (22سنة) .. البيرو آليا (23) ..
ألمانيا ..
هناك نجمه توماس موللر (22 سنة) .. واوزيل (21) ..
وإذا ماقارنا متوسط أعمار لاعبي هذه المنتخبات مع منتخبات أخرى منافسة .. نجد مايلي :
انجلترا (28.5 سنة) .. ايطاليا (28.5 سنة) .. فرنسا ( 28.5سنة) .. الأرجنتين (27.5 سنة) .. البرازيل (27.2 سنة) .. اسبانيا (26 سنة) .. هولندا (26 سنة) .. المانيا (25 سنة) ..
بمعنى أن أكبر المنتخبات سنا هي انجلترا وايطاليا وفرنسا .. وهي الأقل عطاء .. ثم البرازيل والأرجنتين .. ولذلك لم يكن غريبا تفوق ألمانيا على انجلترا ثم الأرجنتين بالأهداف الأربعة .. وهولندا على البرازيل ..
من هنا .. نصل إلى نقطة هامة .. وهي أنك لكي تصنع منتخبا قويا .. لايكتفي بالفوز على الصعيد القاري .. أو المحيط به .. ولا بالنتائج الوقتية .. لابد من الاهتمام بناحيتين أساسيتين :
الأولى :
الفئات السنية ..
كرافد أساسي لأي منتخب كي تضمن استمرار تغذيته بالنجوم والعناصر الفاعلة وبالتالي استمراريته ..
الثانية :
الدوري المحلي ..
لأن الدوري القوي يصنع منتخبا قويا .. كما هو الحال بالنسبة لإسبانيا .. فالدوري الإسباني هو الأقوى والأفضل عالميا .. ولهذا نجد أن جميع لاعبي المنتخب الإسباني يلعبون في الدوري المحلي .. عدا فابريجاس ، وتورس .. ومعظمهم من نادي برشلونة ..
والاهتمام بالفئات السنية .. والدوري المحلي .. لا يأتي بالتنظير فقط .. بقدر ما يعتمد على التخطيط بعيد المدى .. المبني على أسس علمية ثابتة ,.. ومنهجية واضحة .. تضمن له الاستمرار والنجاح .. وإن تعاقبت الأجيال ..

هم سقطوا ..
أم أنها تطورت ..؟
"سقوط الكبار" مونديال 2010 لم يكن فقط مقتصرا على المنتخبات .. ولكنه امتد إلى النجوم الذين كانت منتخباتهم تعول عليهم الكثير بقيادتها إلى منصات التتويج .. أو على الأقل إلى مراكز أفضل ..
كاكا .. (البرازيل) .. ميسي (الأرجنتين .. رونالدو (البرتغال) .. روني (انجلترا) .. هؤلاء النجوم على سبيل المثال .. وهم الأفضل على مستوى العالم .. وعقودهم في المستويات العليا من الأرقام ذات الأصفار السبعة من العملات الصعبة وربما الثمانية في بعضها .. سجلوا 121 هدفا مع أنديتهم خلال الموسم الماضي بمعدل 30 هدفا لكل منهم .. لكن هؤلاء مجتمعين لم يستطيعوا تسجيل هدف واحد في المونديال .. باستثناء هدف واحد سجله رونالدو .. لايغني ولا يسمن من جوع .. فلم يكن حاسما ولا مرجحا .. بقدر ما جاء ضمن أهداف سبعة (باكيج) سجلتها البرتغال في مرمى كوريا الشمالية .. بمعنى أنه إذا لم يسجل الآن متى يسجل ؟
هذا الغياب لهؤلاء النجوم بالرغم من سنهم المبكرة ونضجهم الكروي .. طرح العديد من التساؤلات ..
ثمة من عزا ذلك إلى الإرهاق الذي ناله هؤلاء جراء مشاركة أنديتهم وكثرة المباريات .. مثل روني مع مانشستر وبالتالي لم نشاهد له تلك الاختراقات المعروفة عنه ..
وقد يكون للشحن الزائد من قبل الإعلام وتسليطه الأضواء عليهم قبل المونديال أثره في شعورهم بتحمل المسؤولية على عاتقهم .. وخوفهم من عدم قدرتهم الارتقاء بمستواهم إلى تطلعات جماهيرهم وما يأمله المسؤولون عنهم .. وهذا ماجعلهم يعيشون تحت ضغط نفسي وفني .. أدى إلى ظهورهم بهذا المستوى ..
لكن ..
فريقا آخر ذهب إلى غير ذلك .. فعزى السبب إلى الخطط الدفاعية .. التي بدأت تنهجها المنتخبات .. وأسلوب أدائها داخل الملعب .. وحرصها على مراقبة النجوم لتقليل فرص الخسارة عليها .. واللعب على المضمون .. بدليل أن معدل التسجيل في المونديال انخفض كثيرا عن ذي قبل ..
قديما .. كان معدل التسجيل يصل إلى خمسة أو أربعة أهداف في المباراة الواحدة في المونديال ..
كان ذلك إلى الدورة التاسعة (المكسيك 1970) .. ثم بدأ الانخفاض التدريجي واستقر عند معدل يقارب الـ 2.5 هدفا أو أقل ..
وفي المونديال الأخير كان معدل التسجيل 2.4هدفا في المباراة الواحدة ..
هذه الحقائق .. تقودنا إلى طرح تساؤل هام ..
هل تطورت كرة القدم ..
أم أنها في تراجع .. ؟
وإذا كان البعض يرى أن الأهداف هي ملح الكرة .. ومصدر المتعة .. والإثارة فيها .. فإن غيابها لا يعني غياب هذه المتعة ..
شخصيا .. أعتقد أن كرة القدم تطورت .. وأساليبها أيضا .. لأن انخفاض نسبة التسجيل .. لا يعني انعدام اللاعب الهداف .. بقدر ما يعني القدرة على الحد من خطورته .. وبالتالي .. فإن أي تطور هجومي يقابله تطور.. في الطرف الآخر .. الجانب الدفاعي .. والعكس صحيح .. وعندما تم ابتداع الحائط البشري .. أمام الضربات الحرة .. ابتدع البرازيليون (الموزة) .. أو الكرة اللافة .. والتي برع فيها ريفلينو نجم البرازيل في السبعينيات .. ثم زيكو .. وإيدير .. وجونيور .. وغيرهم (وفوق كل ذي علم عليم) ..
وعلى هذا الأساس .. يسعى المدربون إلى ابتداع طرائق . وخطط .. لاختراق هذه الجوانب والأساليب الدفاعية .. وهذا في مصلحة كرة القدم ..
لكن السؤال الذي يبرز بشدة ..
هل انتهت مرحلة اللاعب النجم .. ؟ وبدأنا نعيش مرحلة الفريق النجم .. ؟ وإلى متى تستمر مثل هذه الظواهر الفردية .. ؟ باعتبارها مواهب .. يمكن استثمارها وتطويرها ..
وهل يأتي يوم يختفي فيه اللاعب القائد الذي يقود الفريق .. ويصبح الفريق هو من يقود اللاعب .. ؟
لقد أصبحت كرة القدم صناعة .. ــ كما يقولون ــ وأثرت على الموهبة كعطاء .. فإلى أي مدى تتأثر الكرة .. ونجومها .. بل ومتعتها بهذا التغيير .. ؟
والله من وراء القصد

احفظ .. يا حافظ ...
والنويصر ..
إذا كان ما سبق هو أبرز الدروس المستفادة من المونديال في نظري فإن ثمة دروسا أخرى تحدثت عنها في بداية المقال .. ويمكن الحديث عن بعضها بالتفصيل في مقال مقبل .. لكن ثمة دقائق صغيرة .. بين السطور .. أو لنقل خلف الكواليس .. قد يرى البعض عدم أهميتها .. بينما هي في الواقع لا تقل أهمية ..
فالعمل الاحترافي المنظم .. والدقة .. والانضباط .. وحسن التنظيم .. الخ .. هي الأساس في نجاح أي عمل ..
الدكتور حافظ المدلج عضو الاتحاد السعودي لكرة القدم وعضو المكتب التنفيذي للفيفا.. تحدث عن كثير من ذلك عبر منصاته في هذه الجريدة .. بعد معايشته لها عن كثب .. وممارسة بعضها من خلال تكليفه ببعض المهام .. وقد سبق أن تمنيت على الدكتور حافظ في موقع آخر .. أن يجمع شتات هذه المقالات .. ويضيف لها الكثير وبتوسع .. عن تجربته مع الفيفا وكأس العالم .. ويضمها في كتاب .. ويضع المهم منها أمام المسؤول في تقرير .. وهذا لا أخاله إلا فاعله ..
إن مثل هذه الآراء .. تذهب أدراج الرياح ما لم تحفظ .. ويتم توثيقها للاستفادة منها .. وإذا كنا .. فقدنا الحضور الفني في المونديال وكان لنا حضورنا الناجح عبر حكمنا الدولي خليل جلال .. فإن حضور الدكتور حافظ لا يقل نجاحا .. فقد كان يمثل التواجد السعودي المشرف في هذا المحفل .. وهو مثال للشاب للسعودي الطموح الذي يمتليء حيوية ونشاطا .. والحديث عن د . حافظ يقودنا للحديث عن شاب آخر لا يقل طموحا وحيوية وهو زميله في اتحاد الكرة محمد النويصر الذي تعرفت عليه قبل خمسة وعشرين عاما عندما دخل العمل الإداري الرياضي لأول مرة بعد أن كان لاعبا سابقا فيه .. شهادتي في النويصر والمدلج مجروحة .. لكنني أعرفهما عن قرب .. واعرف مايمثلانه من دور وأهمية .. وإذا كنا نتحدث عن غياب الصوت السعودي أو انحساره في المحافل الدولية .. فإن المستقبل مرهون بإذن الله بهما في قيادة ها الصوت .. وتأثيره , وهما يملكان كل المقومات .. والمؤهلات العلمية .. والذاتية .. لأداء هذا الدور وتنفيذه .. بدعم وتوجيه من القيادة الرياضية ممثلة في الرئيس العام الأمير سلطان بن فهد ونائبه الأمير نواف بن فيصل ..
ولذا فإننا ننطلع لمستقبل رياضي مشرق بإذن الله .. مبعثه التفاؤل ومصدره الثقة .. بعودة الرياضة السعودية إلى واجهة الأحداث وقيادتها .. كصوت فاعل ومؤثر في المحافل الدولية والقارية ..
والله من وراء القصد