|


علي الشريف
لماذا المكابرة؟
2010-10-18
في ممرات الفقر يتكون اللاعب، ولذا ارتبطت كرة القدم بالتشرد، وبالفاقة، وبمن لا يمتلكون قطع الحلوى, ولكنها غادرت هذا التعريف لتصبح صناعة، كأي فعل إيجابي لابد وأن يتخذ أشكاله حتى يكبر باتجاه سن الرشد.
ـ من هذه التوطئة، قد تأتي دورة الخليج المقبلة في اليمن ضمن إطار التعريف الدقيق للاعب كرة القدم، وبيئته، وحضانته، تلك التي بلا قطع حلوى، فهي حتى اللحظة تظهر بمظهر - سد الفاقة - وإن صرف عليها أكثر من نصف مليار دولار وفق ما أشارت إليه "الرياضية"، ولم تكتمل، إما لما حولها من سياسة، أو لكونها في بيئة تعيد ذاكرتك إلى لحظة التكوين، هي وإن لم تتفق معي تحت طائلة الوقف، وفاقة أن تسترسل وتكمل، تحت البارود، ورغبة الخوف من التفخيخ والقتل، وفي أجواء كهذه ستركل كرة القدم، ما يعني أنها في جانب لم تنكر حضانتها، ولم تتمرد، وفي آخر تخالف فطرة (ما جبلت عليه الدورة) من أمن يغادرها قبل أن تبدأ.
ـ اللعبة هنا في أن من يقتلون يستخدمون الآن ورقة كرة القدم، وبالتالي دخلوا أرض الدورة كلاعب، يرى في أن تجاوزه للخصم يحتاج إلى أكبر قدر من الإرهاب، وبالتالي صياغة صورة ذهنية لدى من لا يعرفونه بأنه لاعب مخيف يجب أن تخشاه وإلا قتلك، أو عليك أن تعتنق فكره، ذلك الذي يرى القوة في القتل والتدمير وإخافة الآخرين!
ـ من هم الآخرون؟ هم المدرج، ومن يهتفون لكرة القدم كتفريغ، وبالتالي هم أكبر قدر من الناس، وبالتالي يحاول هذا اللاعب الشرس أن يحصل على (معرفته) فيهم، وأن يزرع حقول ألغامه أو( تخويفه) فيهم، وأن يبهرهم بكم يقتل ويدمر ويغتال، ليصل في آخر المطاف إلى أن يكون (الهيرو) الذي يجب أن تخشاه.
ـ هنا ليس على اليمن إلا أن ترفض ذلك، وتبادر، عليها أولاً أن تحل مشاكل أمن الآخرين، عليها ألا تدعوهم لضيافة على قعقعة الرصاص، والشرّك والآخر، والتفخيخ وأبناء عمومته من القبائل، ليس من العدل أن يهدر كل هذا الوقت في أن تنظّم أو لا تنظم، وتأمن ولا تأمن، وتشارك ولا تشارك، وبمن وليس بمن, ليس من العدل أن يعلم من يقفون على المنتخبات المشاركة أن أكثر من ثلاثين إلى أربعين مواطناً من دولهم قد يتعرضون للموت ويهرولون للمشاركة، هل صحيح أن علينا أن نشارك؟ هل صحيح أننا نحتاج إلى قتل أكثر، وإلى ابتزاز أكثر، وإلى أن ينتهي بنا الحال ما لم تذهب مكابرتنا للقتل؟
ـ ثم إن ما صرف من مال يخص اليمن وبنيته الرياضية تلك التي يهمنا دون شك مستقبلها واستقرارها، ولكن ما لا تراه من أمن يخصها أيضا كدولة، ويخص من يحبون اليمن والدورة، وفيما لن تحقق كافة المنتخبات المشاركة في الدورة سوى تكبد المشاق، - بهذا الشكل والاتجاه - كونها أشبه بمجلس خليجي يمتلئ بالضيوف ثم ينفض، أي أن مخرجاتها لا تتجاوز سوى (صفر) في سياق المنتخب والآخر وبالذات في وضع كهذا، وفي تأزم كهذا، وفي استغلال من (القاعدة) كهذا، أدى إلى أن توضع سفارات بأكملها تحت الحراسات المشددة، فما بالك واللاعب والمدرب والجمهور قد لا يحصلون على مثل هذا الشرف لكثرتهم أو لكونهم لا يعلمون مدى وقاحة اللاعب الشرس، ذلك الذي يقتل ليتقدم كالبيدق في رقعة الشطرنج وأقصد القاعدة، وإن جاء عدد الجيش 60 ألفاً قد يعكف على حراستها، وإبطال فتيل الاشتعال والآخر.
ـ كرة القدم كما قلت سابقاً خطاباً يصل، وبالتالي قد تكون فكرت فيه القاعدة، من ضمن سياقها الإعلامي والتنظيري ذلك الذي يستغل كافة السبل، ولذا أتت تفجيرات لندن بعد فوز الإنجليز مثلا بتنظيم أولمبياد 2012 فكانت الضحايا والجثث تتناثر ليلة الفوز على حساب باريس بفارق صوت واحد فقط، فيما تتبنى القاعدة عملية القتل وخطاب التخويف، ما يعني أن استبعاد منطق أن فكر اللاعب الشرس في ذلك وارد، وما يعني أنه بدأ، ونفذ في نادي الوحدة اليمني على سبيل المثال ليخلف قتيلين و14 جريحاً، ومن هنا قلت: اليمن وقلت: من يشاركون.
ـ ولا أقلل من الجهود اليمنية ولا من حصافة الخليجيين، تلك التي قد تحتار كثيراً فيما لو ألغيت الدورة حول البدائل، ومن سيحول مسار اللعبة واللاعب والدورة إليه في هذا الوقت الضيق الذي جعلوه عنق زجاجة لهم، ولكني مع ذلك أثق في أنه قد يكون لديهم ما يجعل الإعلام لا يلعن ويقبح سوء التخطيط، بدءاً من تسليم علم الدورة وانتهاء بمن لديه بنى تحتية، وصولاً إلى أمن الدورة، ثم الانسحاب منها لـ (خلاف) ما، وليس لأن ثلاثين أو أربعين لاعباً وإدارياً قد يقتلون، فيما قد لن يضرب الجمهور!
ـ إن أخطر ما في دورة اليمن، أن شباباً سعوديين وغير سعوديين، سيتجهون لمؤازرة منتخبات بلادهم هناك فيما لو أقيمت الدورة، ما يعني أن تتكبد الأنظمة الخليجية خسائر شتى، على صعيد الفكر والاستمالة والتوظيف للضد، وعلى صعيد ما قد يحدث من قتل (لا قدر الله)، وعلى أصعدة شتى يعلمها اليمني وغير اليمني من مخاطرة الذهاب إلى مثل هذا الوضع وهذه التركيبة من الصراع، وعليه لماذا نخاطر بكل ذلك؟ سنغير القناة والأخرى في منازلنا باتجاه برشلونة ولا نقتل، أو نكتفي بدوري زين ولا نقتل، أو بألم ما يفرط فيه الأهلي من نقاط ولا نقتل، سنشجع الهلال، ونكابر بالنصر، ونبقى مع متعة الاتحاد، ولا نقتل، ولا نذهب إلى دورة بهكذا تضاريس من أجل دورة غير معترف بها في كرة القدم من (فيفا).