|


فواز الشريف
براءة كرة القدم
2014-10-12

في لعبة مفتوحة ومباراة فاصلة ومهمة والوقت يسرق بعضه تصبح للإثارة معنى ويفقد الشخص منا توازنه وبعضاً من موروثاته الاجتماعية .. فقط لبرهة من الزمن المفقود يحدث كل هذا ثم ما يلبث أن ينتهي.

نعود لأدراجنا نلملم أمنياتنا ونرتدي كل ثقل تمثله حياتنا من فروضها وواجباتها ويصبح للقاء موعد أخر نتلمس فيه طفولتنا وشقاوتنا وخروجنا عن النص المشؤوم في قلوبنا وفق إطار الصورة المثلى لمجتمع يسعى للتشبث بكرة القدم واعتبارها المتنفس الوحيد.

نتذكر معها ما وصفه "ادواردو غاليانو" عن أطفال " كاليا دي لا كوستا" وهم ينشدون الفرح في تفاصيل عشقهم :

"ربحنا أم خسرنا..

لن تتبدل متعتنا

متعتنا تبقى كما هي ..

سواء أخسرنا أم ربحنا "

ترى من يعكر علينا صفو متنفسنا ؟ .. ترى من يحاول دس الوهم والشك والمؤامرة في طعم العسل الذي نعتبره طعامنا ؟ .. و من يحاول بعثرة الفتية المراهقين بين طرد سراب نثره في طرقاتهم من مخيلته وبين عذرية عشقهم ؟

لقد أجبت عن الكثير من هذه التساؤلات وفي كل مرة أجدني أصل إلى فتح عظيم أعتقد معه أن علاقتي بالفيزياء أتت بثمارها ، ومع هذه الفتوحات المتوالية أغلق نافذتي دون ضجيج و أنام بعد ليل طويل دون أن يمتلئ المسرح بالحضور ولا القاعة بالتصفيق الحار والمتواصل .

وفي صباح اليوم التالي أكرر مشهدي الساكن في مخيلتي وأغني معه: "

كُرتي كُرتي ما أحلاها..

ما أحسنها ما أبهاها

كرتي تعلو حتى السقف..

وأنا أعدو وأخي خلفي

من يلقطها دون الثاني..

كان السابق في الميداني"

نعم كنت أعني في مقالتي الماضية أن كرة القدم بريئة من تحول بهجتها وسرقة متعتها وحلاوتها منها ونقل تفاصيلها إلى الأندية ، إلى الأسماء الجامدة ، إلى المباني الأسمنتية والممرات الخرسانية .

كرة القدم بريئة من العشق المجنون الذي أصاب الناس من حولها بل وحولها إلى عمل من أعمال (الهوى) تتلقفه القلوب الطرية الندية لتصبح صلدة صلبة.

ترى كيف تعلقنا بأندية "هلامية" وتركنا أطلال طفولتنا وجمال لعبتنا في ذاكرة خفية وخبئنا "عصارينا" وحاجياتنا القديمة في صندوق لم نعد نعرفه؟

كانت هذه فلسفتي فالوطن الذي يحاول البعض أن يصنعه لهذه المستديرة التي لا وطن لها إلا جمالها وفتنتها من الصعب صنعه والعيش فيه فهي "كائن" مجنون أملس لا ممسك له يحيطه البلاستيك ويسكنه حيز فارغ يساعده في التنقل على الطريقة التي يهواها .

والعشق المجنون للأندية عشق ضال ومخيف لذا وجب التنويه بضرورة تحسين المسار والعودة إلى براءة كرة القدم في خلقتها الأولى قبل أن تتغير هنا.