|


مصطفى الآغا
 تحيّز للتفاصيل
2009-01-22
أعجبني شعار " الرياضية " الذي تتحيز فيه للتفاصيل، فالتفاصيل وليس العموميّات هي ما تجعل العمل الصحفي والإعلامي أكثر حرفية وأقرب للدقة وبالتالي أقرب للحقيقة. الغوص في التفاصيل يعني البعد عن العواطف والحكم من منظور العقل والمنطق، وللأسف فأحكام العقل غائبة أو مغيبة لصالح التعصب الأعمى الذي لايوصل صاحبه إلا إلى طريق لا نهاية لها من الضبابية ورؤية الأمور على غير حقيقتها.
شخصيا قلت على الهواء أكثر من مرة رأيي بمدرب سورية فجر إبراهيم، وقلت إنه غير مؤهل (من وجهة نظري) لقيادة منتخب دولة، لأن خبرته كلاعب (دوليا) شبه معدومة وكمدرب أيضا أقل من معدومة، فهو لم يدرب أندية من الصف الأول بل الثاني والثالث مثل المعضمية وشباب النضال وشباب الوحدة، وعمل كمساعد مدرب في العهد ودرب شباب سورية والأولمبي ثم الرجال، وهناك من يقول إن فجر هو الوحيد الحاصل شهادة مدرب آسيوي محترف، ولكن الدراسة النظرية ليست مقياسا للقيادة على أرض الملعب ولا لبناء جيل أو تحقيق بطولات وليس طفرات، كان هذا رأيي رغم أن فجر لم يخسر مع المنتخب السوري في تصفيات كأس العالم وتعادل وديا مع السعودية والبحرين.. ثم بدأ تصفيات كأس أمم آسيا بفوز على الصين 3ـ2 بعد أن كان المنتخب متقدما 3ـ0. حتما لم أغير رأيي في فجر، وحتما لم ولن أقلل من قيمة فوزه على الصين فهذا حق له علي، ولكني أتحدث بمفهوم قد يكون أكثر شمولا لأنك إن أردت أن تكون قوة يُحسب حسابها عربيا وإقليميا ودوليا عليك بمفاتيح هذه القوة، وهو ما اقتنع به الإنجليز بعد أكثر من مئة عام لاختراعهم كرة القدم.. يوم جاؤوا بالسويدي إيركسون كأول مدرب من خارج الجزر البريطانية يدرب إنجلترا ثم جاء الإيطالي كابيللو.
رأيي الشخصي في فجر لايقلل من قيمته كشخص، ولا من إنجازه (في حال تحقيقه كمدرب)، بل هو رأي يبحث في التفاصيل ويتحيز لها ولا يبحث عن حبة دواء مسكنة لوجع رأس مزمن منذ أكثر من 30 سنة لم يحقق فيها المنتخب السوري أي شيء يذكر، باستثناء طفرات للفئات العمرية وذهبية المتوسط 1987 ووصافة كأس العرب 1988.
حتما أنا مع المدرب المواطن إن كان مؤهلا.. وإن كانت النتائج تشفع له، وحتما أنا مع إعطاء ابن البلد الفرصة كاملة مثلما فعل السعوديون مع ناصر الجوهر والكويتيون مع محمد إبراهيم.. ولم يفعله الإماراتيون مع مدربي الرجال (كحالة عامة وليس طارئة) بل مع مدربي الفئات العمرية.. فوصلوا لكأس العالم ونالوا أول لقب (قاري) في تاريخهم الكروي على يد مواطن، وأقصد كأس أمم آسيا للشباب على يد مهدي علي. ولكن المشكلة في سوريا إنهم لا يعتمدون سوى على المدرب الوطني (قليل الخبرة والتأهيل العلمي الكروي) وإذا استعانوا بأجنبي فبمدرس تربية رياضية سابق من دول الاتحاد السوفيتي ومعسكره الاشتراكي السابقيَن، ولم ولن يصرفوا على جهاز تدريبي عالمي يبني لهم مستقبلاً كرويا مشرقا لن يُبنى إلا إذا اقتنعوا أن بناء المستقبل يحتاج للصرف ولمدرسة عالمية بعيدا عن التجارب المحلية.. التي لن تأتي سوى بطفرات لاتغني ولا تسمن من جوع.