|


محمد فراج
حُنَينٌ.. غيرُ مقنع!!
2018-06-22
تابعنا وراقبنا بشغف وحماس مباريات مونديال روسيا 2018م، ولم نزل نتابع ونراقب، وظهر ما يسمى بسحر كرة القدم جليًّا على وجوهنا وأمزجتنا وردود أفعالنا، باختلاف المذاهب والانتماءات والأجناس..

تناست الجماهير مشكلاتها الخاصة وأحزانها المؤرقة وهمومها الموجعة رهينةً في بنك اللاوعي وخزينة اللاشعور، وديعة مستردة دون نقصان.. لمدة 90 دقيقة في أيام معلومات.. باتفاق مسبق بين العقل والقلب.. لكن دون مقابل.. وبمجرد شروع الزمن وقرع الأجراس لتلك التسعين دقيقة، تلتهب الحواس وتفيض المشاعر إما فرحًا أو غضبًا، والمقودُ مع صافرة الحكم.. وتزيد معدلات الضغط وقياسات السكري لدى المحبين الحالمين من عشاق الأوطان.. ويبرز في بعض الساحات ثلة من الشخصيات تحتكر دهاء الناقد الخبير وتترجم تصرفات اثنين وعشرين لاعبًا يمتِّرون الملعب تربيعًا وتكعيبًا، وتتولى ألسنتهم الترجمة والبث المباشر في استوديو الحاضرين، باجتهاد شخصي تقوده العاطفة وتشعله الميول، تصيب مرة وتخطئ مرات.

تحضر الأمثال العربية هنا حضورًا يعادل غياب منتخباتها في بطولات عالمية تعد الأغلى.. فنذكر أن في بلاد الحيرة قديمًا، كان هناك رجل يُسمى (حُنيْن) يعمل إسكافيًّا، وذات يوم دخل عليه أعرابي ليشتري خُفَّين، وظل يُساوم حُنينًا في ثمنهما حتى أغلظ في القول؛ فلم يُعجب حُنين أسلوب الأعرابي وتملَّك الغيظ منه ورفض البيع.. فشتم الأعرابي حنيْنًا وغادر. وبعد سوء الأدب هذا قرر حنينٌ الانتقام؛ فأخذ الخفيْن وسبق الأعرابي من طريقٍ مختصر؛ فألقى بأحدهما في الطريق، ثم مشى مسافة وألقى الآخر واختبأ ليُراقب صنيع الأعرابي. وبينما (الزبون) في طريقه، فوجئ بالخف الأول على الأرض فأمسكه، وقال: "ما أشبه هذا الخُف بالذي كنت سأشتريه من الملعون حنين، ولو كان معه الخف الآخر لأخذتهما، لكن هذا وحده لا نفع فيه". ثم أكمل الأعرابي طريقه ليُفاجأ بالخف الآخر؛ فندِم لأنه لم يأخذ الأول، وعندها ترك راحلته وحيدة وعاد مسرعًا ليأخذ الخف الأول؛ فانتهز حُنيْن الفرصة وتسلل وأخذ الراحلة بما عليها؛ فلما عاد الأعرابي بالخفيْن سعيدًا لم يجد راحلته وزاده، وعندما عاد لقومه.. سألوه: بمَ عدتَ من سفرك؟ فأجاب: "عدتُ بخفيّ حنيْن"!

سرعان ما تتوجه نوايا القارئ إسقاطًا على حال المنتخبات العربية في روسيا، إلا أنني لم أقصد ذلك ـ تمامًا ـ بل إنني أعيب على حنينٍ عجزه عن إقناع الأعرابي بثمن بضاعته.. رغم جودتها ورنين صداها..

وختامًا أقول.. كأس العالم كلية عريقة.. بل هي جامعة، مقرراتها ومناهجها تُدرَّس على الملأ.. بالبث المباشر.. إلا أن من يخطب ودها ويفهمها ويحظى بتقبيلها.. فقط الأساتذة.. والأساتذة فقط، والالتحاق.. ليس اختياريًّا!