|


صالح الخليف
احترم نفسك يا مارادونا
2018-07-02
الأخلاق أهم سلوكيات البشر وصفاتهم.. فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا.. على الطريق الآخر هناك كرة القدم.. لعبة جماعية تعتمد على الأفراد وتقاتل منظمتها التي تدعى "فيفا" إلى ربطها بالقيم والمبادئ والأخلاق، لدرجة أن اليابان تأهلت إلى دور الستة عشر من منافسات المونديال القائم الآن بالأخلاق..
وتفرض "فيفا" قوانين صارمة في محاولاتها الدائمة والدؤوبة لفرض الأخلاقيات الحسنة على المستطيل الأخضر.. وهذا أمر يطول الكلام فيه.. على الضلع الثالث يقف مارادونا.. وأي كلام عن كرة القدم يخلو من مارادونا يفتقد الشرعية والأهلية والمنطق والواقع والحقيقة.. كرة قدم بلا مارادونا كما هو هذا العالم بلا أمريكا.. أي لا طائرات ولا آيفون ولا كهرباء ولا حتى أقراص أسبرين.. من الحارات الفقيرة جاء مارادونا إلى كرة القدم.. طفل جاهل أشبه بالمشردين.. مستواه التعليمي متواضع.. ولا يملك عمقاً عائلياً أو حضارياً أو اجتماعياً يجعله يتسلح بالأخلاق وملحقاتها.. لا يفهم ولا يعي شيئًا سوى كرة القدم داخل الملعب.. حينما اعتزل انتهى دوره في الحياة.. فشل في كل شيء خارج الملعب حتى في التدريب.. انغمس في عالم العربدة والمخدرات.. أدمن وتعالج وتعافى، وهذه أيضاً حكاية تطول.. تابع منتخب بلاده من المدرجات فاختطف الضوء والأضواء وكان حكاية الكاميرات التي ما توقفت من متابعة حركاته وسكناته.. أثار الجدل بإشارة غير أخلاقية بعد فوز منتخب بلاده الصعب أمام نيجيريا.. فك "فيفا" الارتباط معه وحرمه من عشرة آلاف جنيه إسترليني كان يستلمها يوميًّا لوجوده في هذا المحفل العالمي، بحجة أنه ارتكب جرماً أخلاقياً لا يليق بالنجوم والأساطير.. يبدو أن "فيفا" ومسؤوليها لا يعرفون مارادونا حقاً.. وإلا هو هذا مارادونا.. يلامس الستين من عمره ولا يزال هو ذاك الصبي الغاضب المتوتر المتمرد الذي لا يحكمه سوى مزاجه.. يعيش في عوالمه ولا يلتفت لتاريخه المرصع بالعطاء والإبداع والتألق والانفراد والذهب.. مارادونا والأخلاق التي ينشدها قادة "فيفا" إنما هو لقاء أضداد ومواجهة غرباء لا يطول بها المقام في أي مكان.. الأخلاق سلعة باهظة الثمن لولا أن مارادونا لا يملكها ولا يعرفها ولا يتاجر بها.. أيقن مبكراً أن كرة القدم لا تحتاج كثيراً للأخلاق في ظل تنامي الموهبة ووجودها.. لو سألت أي مشجع حول العالم هل تتمنى لفريقك لاعبًا خلوقاً للغاية لكنه متواضع الإمكانيات والقدرات الفنية أم لاعباً فذاً ومتفرداً ونجماً لا يشق له غبار فسيكون خياره واختياره اللاعب الثاني وبلا تردد.. هذا ما أدركه مارادونا وأراد إثباته ونجح.. والآن تطلبون من مارادونا الاحترام.. ما كانت هذه بضاعته ولا أظنها تكون.. ما كان يوماً يوصي بأن يكون من مثله قدوة حسنة.. هذا هو مارادونا فلا تطلبوا منه الاحترام الذي يليق بغيره.. واحترموا أنفسكم!!