|


صالح الخليف
وهكذا تسقط الطائرات
2018-07-28
يصحو العالم على فاجعة.. الشاشات تصطبغ بالأحمر.. الأخبار العاجلة تتوالى مسرعة وكأنها في سباق تتابع.. سقوط طائرة محملة بمئات الركاب المسافرين وطاقم الطائرة.. البحث والرصد والتحري انطلقوا في كل اتجاه.. ليس هناك أوقات للحزن إلا في قلوب عائلات الضحايا الذين هرعوا للمطار حتى يكتمل المشهد، وتلتقط مشاهد بكائياتهم كاميرات مصوري وكالات الأنباء الدولية والمحطات التلفزيونية..

مسؤولو الشركة الناقلة تكتفي بتعليق مقتضب على حسابها الرسمي في تويتر تعزي فيه عائلات المفقودين وتقف إلى جانبهم في هذه اللحظات المأساوية الصعبة.. الرادار فقد الاتصال بالطائرة قبل ثلاث ساعات، والسلطات لم تحدد بعد مكان وموقع السقوط، لكن الطائرة هوت من ارتفاع يفوق ستة وثلاثين ألف قدم فوق سطح البحر بحسب تقارير أولية.. أصدقاء وأقارب الضحايا يروون حكايات الاتصالات والصور الأخيرة وأمنيات المفقودين.. يخرج متخصص بحوادث الطيران ويحاول توضيح أسباب واردة لسقوط الطائرات، مطالباً الجميع بالصبر وانتظار التحقيقات لحين العثور على الصندوق الأسود.. ويا لهذا الصندوق المغلوب على أمره الذي ننسى أنه مجرد حديد قد يصبح هشيماً تذروه الرياح.. في اليومين الماضيين جال في خاطري وفي خيالي هذا السيناريو المكرر وأنا أقرأ وأسمع تفاصيل عراك وقع فوق الأجواء بين طيارين عراقيين كانا يقودان رحلة داخلية بين النجف وبغداد، وعلى متنها 157 راكباً كادوا ينضمون إلى قائمة الموتى والقتلى وضحايا الطائرات ويصبحون أشلاء تذهب مع الريح، لكن الله وحده أنقذهم وحماهم وأطال بقاءهم وأعمارهم.. وفي هذا حكمة لا يعلمها إلا علام الغيوب.. والحادثة في تفاصيلها السريعة أن مساعد الطيار أراد تناول وجبته، لكن قائد الطائرة رفض وتطور الخلاف سريعاً حتى وصل إلى تشابك بالأيدي، وتحولت قمرة الطائرة إلى حلبة ملاكمة، ولولا لطف الله لوقعت كارثة جوية بسبب خناقة تافهة.. هذا يعيدنا إلى عشرات الحوادث الجوية التي لا تزال مجهولة السبب والمسببات، ويجتهد خلالها المحققون ويبذلون جهوداً مضنية في كشف اللغز الحائر والمحير، ويضعون دائماً المشكلة على عاتق وأكتاف التقنية وملحقاتها..

أتذكر مرة واحدة من بين تلك الكوارث التي أشار فيها المحققون والخبراء إلى إمكانية انتحار الطيار في رحلة هوت في أعماق المحيط.. أما البقية فإن الأسئلة ذاتها تتكرر والإجابات ذاتها تتجدد.. لولا أن حادثة الطائرة الأخيرة والطيارين اللذين ألمحت أصوات داخل شركة الطيران العراقية إلى أنهما سيواجهان عقوبة الإبعاد عن ممارسة المهنة مدى الحياة، تضع نقاطًا ضائعة على حروف تائهة بأن السبب قد يكون وجبة طعام رخيصة تذهب على أثرها أرواح غالية ينتظر ذووها وأهلها عودتها وهبوطها إلى الأرض على أحر من الجمر..
لا تتهموا التقنية دائماً.. الإنسان أحياناً أقسى ظلماً على نفسه وعلى بني جلدته من وقع الحسام المهند.. والدليل ما حدث بين النجف وبغداد..!!