|


أحمد الحامد
الأبنودي.. ابن الأرض
2018-08-09
في الأول من إبريل من العام 1938 وفي أعماق الصعيد عندما أشرقت الشمس وحولت السنابل إلى قطع ذهبية، سمع أهل أبنود صوت بكاء سنبلة، كان مولوداً صغيراً سمّوه "عبدالرحمن".

لم يزرع أهل أبنود تلك السنبلة.. كانت مكافأة الأرض لأهلها على طول صبرهم وعلى امتداد طيبتهم، قالت لهم الأرض والسنابل تتراقص فوقها: خودوا الواد ده هدية ليكم.. حتسموه إيه؟ نظر أهل أبنود لأحد شبابهم الذي تعب حباً في رعاية تلك السنابل.. قال الشاب: حسميه عبد الرحمن.. وحيكون لينا كلنا إحنا أولاد أبنود.. وحيكون اسمه عبد الرحمن الأبنودي.. حمل الشاب الصغير بيديه.. وكان عبد الرحمن الأبنودي ابن الأرض.

كان لعبد الرحمن مفردات أرضه، تلك المفردات التي ينسى الناس أهميتها إلا عندما تتشكل لتصبح أشبه بالسحر، كبر عبد الرحمن بين حكايا أبنود.. بين القصص الهلالية يسمعها هنا وهناك.. قال عنها: دي قصص الأرض بتاعتنا فجمعها في عشرين عاما ووضعها في أربعة أجزاء.

ذات يوم بعد أن استمع بعض الأهالي لقصائد عبد الرحمن قال له أحدهم ما تكتب لينا حاجة نغنيها، قال عبد الرحمن ومين عاوزينه يغنيها؟ قال بعضهم نريد نجاة هي اللي تغنيها، وقال آخرون عاوزين شادية هي اللي تغنيها، فقال عبد الرحمن حكتب للاتنين، فكتب لنجاة: عيون القلب سهرانة مبتنامشي.. لا أنا صاحية ولا نايمة ما بقدرشي.. يبات الليل.. يبات سهران على رمشي.. وأنا رمشي ما داق النوم.. وهو عيونه تشبع نوم.. روح يا نوم من عين حبيبي.. روح يا نوم.

وكتب لشادية: آه يا أسمراني اللون حبيبي الأسمراني.. يا عيوني ناسياكِ عيون حبيبي الأسمراني.

ثم جاء شاب أبنودي لعبد الرحمن وقال: البنت اللي بحبها بتقول عني إني مبعرفش أتكلم كلام زي اللي بيقولوه في الحب، قال له عبد الرحمن احفظ الكلام ده وروح قوله ليها وأنا راح أقول لعبد الحليم يغنيه:
الهوى هوايا.. أبنيلك قصر عالي.. وأخطف نجم الليالي.. وأشغلك عقد غالي.. يضوي أحلى الصبايا.. الهوى هوايا.
كانت أبنود تزرع السنابل وتتكلم لغة عبد الرحمن، وكانت لغة عبد الرحمن لغة الأرض ولغة شعور الإنسان في هذه الحياة.
ساعات ساعات أحب عمري وأعشق الحياة.. أحب كل الناس وأد إيه إحساس.. وأحس جوايا بمية نغم.. مية نغم يملي السكات.. وساعات ساعات أحس أد إيه إني وحيدة.. وأد إيه الكلمة في لساني مهيش جديدة وأد إيه منيش سعيدة وان النجوم.. النجوم بعيدة.. وتقيلة خطوة الزمن.. تقيلة دقت الساعات.