|


صالح الخليف
صفقة لاعب وحفلة عشاء
2018-08-09
لا يهتم المشجع الطبيعي بمبلغ الصفقة المالية؛ فلا يعنيه إن تجاوزت الأصفار الستة أو تمت بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين.. هذا آخر اهتماماته ونهاية مبالاته وختام اعتناءاته.. حينما يسمع أن فريقه المفضل الذي شغف قلبه حبًّا تعاقد مع نجم مشهور؛ فلا يتوقف طويلاً أو قصيرًا عند معضلة الأموال..
سيعتبر الفلوس في هذه الحالة وسخ دنيا كما يردد العرب في بعض ثقافاتهم المختلفة، ويا له من تعبير شاطح وأهبل وغبي.. يقول في أعماق نفسه وعلى طريقة المصريين: "وأنا ما لي"؛ أي لا علاقة لي بالأمر، وربما هذا من تلاقي اللغة العربية الفصحى مع اللهجة المحكاة عند المصريين، التي بالطبع يجب أن أستعين بها وأستخدمها وأتشبث بتلابيبها لأنها مع شكري وتقديري تساعدني وتؤازرني وتساندني لإيصال فكرتي البسيطة، قبل أن أغرق في التفاصيل التي يقال إن الشيطان يكمن فيها، وأعوذ بالله من الشيطان الرجيم..!!
عندما أعلن نادي يوفنتوس الإيطالي مثلاً التعاقد مع الوجه الأسطوري البرتغالي كريستيان رونالدو، أصيبت جماهير الريال المدريدية بالصدمة والنكسة والهوان، فيما احتفل عشاق السيدة العجوز واعتبروا إدارة ناديهم سجلت الهدف الأروع طوال المواسم العشر الأخيرة، لدرجة أن الصحافة الإيطالية والجماهير هناك ما عادت تهتم بتفاصيل المونديال الروسي وأحداثه ومجريات مبارياته، وانكبت تطارد الخبر الصاعق الذي أربك خريطة كرة القدم في العالم كله.. لم يشغل مشجع إيطالي تنتمي جوارحه العاطفية للفرقة التي تتخذ من جلد الحمار الوحشي شعارًا لقمصانها نفسه أبدًا بقيمة وثمن ومبلغ قدوم رونالدو إلى معقل النادي الذي سبق ومثله عشرات النجوم الملهمين، وعلى رأسهم باجيو وبلاتيني وزيدان؛ فالأهم بالنسبة لمزاجه أن لاعبًا مبهرًا سينضم لفريقه، أما المال فهذا قضية تخص إدارة النادي وحدها.. وما يقال عن صفقة رونالدو وجماهير اليوفي يقال بذات الطريقة وذات الأسلوب وذات الكم في أوروبا وأنديتها عن بكرة أبيها.. المشجع السعودي يسير على نفس النهج تمامًا.. مع توالي توارد أخبار صفقات الصيف لن يهتم المشجع أبدًا بكم دفع وكم صٌرف وكم خرج من الأرقام المالية لاجتذاب نجوم يدعمون قوة وصلابة فريقه.. هذا شيء يختص به القائمون على إدارة ناديه.. هو يريد ولدًا يقرأ كما يقول أهل نجد في أمثالهم الدارجة.. يريد المشجع فريقًا يرعب الخصوم ويفوز بسهولة وينتصر بلا عناء، أما كون هذا اللاعب أخذ مالاً كثيرًا وما يسوى القيمة الكبيرة والصفقة الضخمة؛ فأحيانًا لا تتعدى المسألة تذكيرنا بأغنية الفنانة الإماراتية أحلام "اللي ما يطول العنب حامض عنه يقول".. إذا دعاك رجل كريم على وجبة عشاء فاخرة وقبلت الدعوة، وقلت بسم الله وأكلت ما لذ وطاب وشبعت وأصبت بالتخمة، وبعد السهرة وأنت عائد إلى بيتك ومنزلك، ربما تتذكر وبهدوء مع ابتسامة رقيقة كم تكلف ذاك المضياف في تجهيز مائدته التي تبيض الوجه وترفع الرأس، لكنك لن تتحسر وتتأسى وتقضي ليلتك مهمومًا مدحورًا حزينًا.. ستنشغل حتمًا بلذائذ ما تناولته يداك والتهمته أمعاؤك، أما ما تم صرفه على العشاء من أموال فستذهب فورًا إلى المعجم المصري وتقول كما قال المشجع: "وأنا ما لي"؛ لأنك لم تخسر شيئًا من مالك وحلالك.. واستمتعت.. وفرحت.. وأكلت حتى شبعت.. ولم تشرب عصير ليمون حتى لا تستعيد وتتذكر أغنية أحلام..!!