|


صالح الخليف
الهدية.. تباع وتشترى
2018-08-18
يحب الناس أي حاجة بلاش.. وشيء بلاش ربحه باين كما تقول أمثالنا الدارجة.. ومن هنا تحمل الهدية قيمة معنوية كبيرة في حياة البشر.. بلاش ومن نفس طيبة محبة.

فلا يمكن أن تأتيك هدية من الكارهين.. ورسولنا وحبيبنا وقدوتنا العظيمة محمد بن عبد الله ـ عليه من الله أفضل الصلاة وأتم التسليم ـ يقول في حديث شهير: "تهادوا تحابوا" وقوله الشريف هذا لا يحتمل أي تأويل أو تفسير أو اجتهاد.. كلمتان ثقيلتان بالمعاني ورسم خارطة طريق واضحة المعالم لنشر المحبة بين بني آدم.. وصفة سهلة وواضحة وميسرة.. فقط قدم الهدايا لمن شغفوا قلبك حباً فتتضاعف المشاعر.. وقدم الهدايا لمن بينك وبينه عداوة تجده صار ولياً حميماً.. والكلام في الهدايا محبب للنفس ومثير للعاطفة والأحاسيس.. وعندي في علم الهدايا رأي ورؤية وفلسفة ونظرة خاصة.. فلست مؤمناً أبداً بمن يردد ويدعي أن الهدية لا تباع أو تهدى.. بل أرى وأشدد وأركز على أنك لا تهدي أحداً إلا بضاعة يمكن بيعها في وقت الحاجة خاصة إذا كان المهدى إليه غلبان وعلى قد حاله.. فحينما تعطيه الدنيا ظهرها وتغلق الأبواب في وجهه ويصبح كالمفلس يفتش في جيوبه القديمة ثم يجد هديتك ماثلة أمامه ويفطن لبيعها فهنا تكمن قيمة الهدية الحقيقية.. اتركك ممن يقول الهدية في معناها وليس قيمتها.. هذه عبارات يرددها المخمليون والمرفهون وليس لها أثر على أرض الواقع.. والشاعر عبد الحليم المصري قال قبل مئة عام تقريباً: "
خير الهدايا ما يجيء مع الهوى
من غير ما طلب ولا إطناب
وبالطبع كلامي لا ينطبق على الأثرياء والسائرين في ركابهم.. إذا كان صديقك ثرياً ومقتدراً فأظنه والله أعلم لا ينتظر منك عطايا أو هدايا.. إنما الهدايا خلقت لأولئك الذين لا يجدون قوت يومهم ومن شابههم.. وهناك أمر آخر.. حينما تقرر تقديم هدية فأولاً وقبل أن تذهب إلى المتاجر والأسواق حدد ميزانيتك والمبلغ الذي تنتوي وضعه وصرفه على الهدية، ومن هنا تبدأ فكرة التعامل مع الحدث بطريقة أظنها أكثر جاذبية وإلهاماً وذكاءً.. مثلاً إذا كان المبلغ المحدد مئة ريال فمن الحصافة أن تشتري سلعة أفضل أنواعها وأهمها وأغلاها لا يتجاوز مئة ريال حتى وإن كان نوع الهدية قلم رصاص.. سأوضح أكثر.. المبلغ مئة ريال فلا تشتري بها قارورة عطر أو نظارة شمسية أو قميصاً أو ساعة يد، لأن هذا المبلغ بالتأكيد لن يمكنك من شراء أي واحدة من هذه السلع إلا نوعاً سيئاً ومتواضعاً ورديئاً.. لكن المئة ريال ربما تجعلك تشتري أغلى دفتر في السوق وتجعل المهدى إليه يحتفظ ويعتز ويأنس بهديتك هذه كونها الأغلى من نوعها فيفخر ويعتز بها لأنها الأغلى ثمناً بين نظيراتها.. وهكذا اختر هديتك على حسب قيمتها وميزانيتك.. ولا أنسى تذكيرك بأن الإخوة الشعراء أغرقوا قصائدهم بأنهم سيهدون عيونهم وأيامهم لمعشوقيهم.. وبدر شاكر السياب يقول:
يقول المحبون إن الهدايا
طعام الهوى ذاك ما أسمع
وأنا أقول.. تعاملوا مع الهدية على أساس أنها صفقة تباع وتشترى.. وتذكروا كلامي فالحياة رحلة ذكريات.. ومحطة احتياجات.. وهدايا..!!