|


فهد عافت
نظّارات مصريّة!
2018-08-26
ها هو العمر يجري، ولم آخذ منك يا د. مصطفى محمود سوى نظّارة تشبه نظّارتك، أنا الذي كنت أريد نظرة تشبه نظرتك!، وابتسامة هادئة لا تحرمها مسحة السخرية التي فيها من المحبّة!.

ـ في الصّوَر على الأقل، لا أُفرّق بين نظرة نجيب محفوظ ونظرة د.مصطفى محمود، يتشابهان كذلك في بشاشة الوجه الحزينة، وفي الابتسامة الطيّبة على شفاه تميل كاشفةً عن سخريّة، وحتى هذه السخرية مختلفة عن كل ما عداها، لا تُشابه غير صاحبتها فقط، سخرية هادئة حنونة ومُحبّة، لا تأمل بالكثير، لكنها أبدًا لا تخلو من أمل، أمل بسيط، لكنه متماسك، وكلّما تأمّلتُ في الصورتين، قرأتُ في الملامح الشيء ذاته: طفولة هَدهدة ومناغاة، وأبوّة هُدى ومُناجاة!.

نظّارات محمد عبد الوهّاب، تشعرك أنّ المكان الذي تم فيه التقاط الصورة، أو إجراء الحوار، أو تصوير المشهد، أنيقًا وواسعًا ومرتّبًا، أكثر ممّا هو في الحقيقة!. أيًّا كان ذلك المكان، قصرًا أم خرابةً أم أستديو تصوير!.

ربما لأنّ في عينيّ عبد الوهاب بريقًا أخّاذًا، باتع السّر والأثر!. نظراته هي التي تؤطّر نظّارته!. و منذ أنْ سمعت بمصطلح "القوّة الناعمة" لأوّل مرّة وإلى اليوم، وبالرغم من أنه مصطلح لا يُطرح إلا في هَمّ سياسي، إلا أنني ومنذ أن سمعته أول مرّة، وكلّما تردد، فإنّ أول ما يرتسم في ذهني هو وجه عبد الوهّاب!.

ـ أختم بذكرى: أوّل من غُمرتُ بمحبته من الكُتّاب كان طه حسين، قرأت له وأنا في المرحلة المتوسّطة، وجدته بسيطًا وأحسست بمرحه رغم جدّيّته!، كيف لا أدري، لكنني فضّلته كثيرًا على العقّاد، كان في هذا الفارق الشاسع من التفضيل ظُلمًا للعقّاد وخطأً لم أتداركه إلا بعد سنين طويلة!، ويظل طه حسين هو المفضّل عندي إلى اليوم، رغم اكتشافي لعبقرية العقاد الفذّة. وقد وصل شغفي بطه حسين درجة تمنيت معها العمى لأرى مثله!.

أتذكّر أنني مرّةً، ربما مرّتين، اشتريت نظّارات "لعبة" تشبه نظّارته، دائرية سوداء، ولبستها أملًا في الحصول على ذات الرؤية!.