|


أحمد الحامد
وحيدا في ساحة الحارة
2018-09-09
كان السؤال الذي يطرح دائماً بين أبناء الحارة هو: هل رأى أحدكم منصور يوماً وهو خارج محيط بيته؟ ذاك هو لغز منصور الذي لم يشاهده أحد وهو يغادر بيته متجهاً إلى المدرسة أو البقالة أو إلى أي مكان آخر، تردد كثيراً أن هناك من شاهد منصور في بعض الأماكن ولكن من هو الذي شاهده؟ ما اسمه؟.
لا أحد يعرف، حاول الكثير من أبناء الحارة استدراج منصور إلى الساحة الكبيرة الواقعة في آخر الحارة لكنهم فشلوا، وحاول بعضهم حمله والركض به خارج محيط بيته لكنهم فشلوا أيضاً، كان قوياً للدرجة التي لم يفكر بها حتى أقوياء الحارة في الدخول معه في عراك، ثم إنه لطيف وخلوق ومسالم وهادئ.. كل ما يفعله هو الجلوس أمام بيته مع من يحب أن يجلس معه من أصدقائه الذين استسلموا من إقناعه بالخروج معهم ورؤية العالم من حوله ولعب الكرة معهم أو حضور المناسبات، كما أنهم يئسوا أيضاً من الحصول على إجابة عن سبب بقائه في بيته أو على حدود بيته كحد أقصى، كل إجاباته عن هذا السؤال هي: لا أحب أن أبتعد من المكان، مع مرور الوقت.. ولأن منصور يعيش مع أمه فقط ولا يرى والده إلا في يوم الجمعة عندما يزورهم ويُحضر معه كل احتياجاتهم الأسبوعية انتشرت عدة قصص عن حالة منصور.. تردد أن منصور يحرس كنزاً وضعه والده في بيته، وتردد أن هناك من يبحث عن منصور ويريد قتله، وتردد إنه مسحور وإذا ما ابتعد عن البيت تأتيه حالة من صرَع، يبدو أن صناعة الأساطير تبدأ هكذا.. حالة أو قصة قصيرة حقيقية ثم يضاف إليها الكثير من الإضافات غير الحقيقية فتصبح بعد ذلك الإضافة هي الحقيقة، عندما كان يسهر أولاد الحارة كان الحديث عن منصور حديثاً معتاداً.. طرح الأسئلة ومحاولة الإجابة عليها.. ماذا سيفعل منصور إذا مات والده.. هل سيضطر إلى الخرج إلى السوق لشراء الأكل له ولوالدته؟ ماذا إذا مرض.. هل سيذهب إلى المستشفى؟ ماذا سيفعل إذا ما تزوج وبنيت خيمة الحفل في ساحة الحارة.. هل سيذهب إلى الساحة؟ كان منصور طفلاً صغيراً عندما أحضره والده إلى هذا البيت.. ومنذ ذلك الوقت لم يخرج بعيداً عن حدود بيته.. كان ذلك منذ زمن طويل جداً.. لا شك أنه الآن في الخمسينيات من عمره.. هل مات والده؟ يقال إن أحدهم شاهد منصور في أحد الأسواق البعيدة.. وإن أحداً آخر شاهد منصور يلعب وحيداً في ساحة الحارة في منتصف الليل!