|


أحمد الحامد⁩
جد نفسك أيها المفقود
2018-10-08
قال لي رجل كبير في السن وهو يشعر بقرب الرحيل، إنه نادم على أنه قضى سنين حياته بأسلوب لم يختره هو، وإنه أضاع الكثير من العمر مع أشخاص لا نفع بهم ولا وفاء لهم، قال كلماته هذه ورحل عن هذه الدنيا بعد عدة أيام، لم أنسه ولم أنس كلماته هذه، كانت كالجرس الذي يدق في ذهني بين فترة وأخرى.
أشعر بأنه كان يريد أن يقدم لي الدرس الأخير، حتى إن لم يقصد تقديم النصيحة لكنني التقطتها، أو لنقل بأن كلماته الأخيره كانت بتأثر قوي للدرجة التي جعلتني أنتبه، وأفسر الكثير من "اللخبطة" التي قد يضع الإنسان نفسه بداخلها من دائرة الأصدقاء، ومن ناحية الوقت وضياعه، ومن ناحية العمل، والأسرة، ولأسلوب الحياة، هل عشت بأسلوبي أم بأسلوب الآخرين؟ هل أرضيت نفسي أم عشت في محاولة إرضاء من هم حولي، منذ أربع سنوات ومنذ أن رحل هذا الرجل النبيل بعد أن ألقى كلماته عليّ فاتحاً بها طريق الرؤية، وأنا لم أعد كما كنت، كانت مراجعة طويلة نتيجتها بأنني كسبت نفسي أولاً، تلك التي قسوت عليها طويلاً لا لسبب سوى عدم معرفتي كيف أعيش بالطريقة التي أحبها أنا، لا الطريقة التي يراها الناس، إنها حياتي وليست حياتهم، وإنه أسلوبي وليس أسلوبهم، وإنها قناعاتي وليست قناعاتهم، وإنه رأيي وليست آراءهم، إنها هواياتي وليست هواياتهم، إنه وقتي وليس وقتهم، وإنه عمري وليس عمرهم، أكتب ما كتبته لأنك عزيزي القارئ قد لا تصادف يوماً الرجل كبير السن الذي قال لي ما قال، هأنا أقوله لك، لقد أصبحت حياتي أفضل بكثير، في الحقيقة لا توجد مقارنة، اليوم لدي الوقت الذي أستمتع به، حتى لو كنت وحدي، واليوم لا أصادق إلا القلة القليلة، لكنني أستمتع معهم وأستفيد منهم، فكرياً على أقل تقدير، واليوم ليس لدي وقت لأضيعه مع من لا يستحق، أصبحت أرى بصورة أوضح بكثير، ولا تهمنى إلا آراء المحترمين، في الحقيقة أصبحت لدي المقدرة على الفرز بصورة سريعة، أقول ما قلته حتى ينبه من فقد نفسه ووقته دون معنى أو فائدة ودون متعة حقيقية، لا تنتظر شيخاً كبيراً يعطيك نصائحه؛ لأنك قد لا تصادفه، جد نفسك اليوم وستكتشف طاقاتها التي اختفت عنك طويلاً وعش حياتك بفطرتك وبأسلوبك أنت، اهتم بنفسك وبمحيطك الصغير فهو الحقيقة، ستكتشف مواهبك وستجد سعادة مفقودة، وستكون واقعيًّا جدًّا وستسعد بإنجازاتك.