|


صالح الخليف
متعاونون على الطريق
2018-10-11
إن لم يكونوا وحدهم السبب الأول والأخير وراء تراجع الصحافة.. فإنهم على أية حال يفترض أن يبرزوا كعلة لا يمكن تجاهلها أو غض الطرف عنها..
غرقت الصحافة السعودية أزمنة طويلة في وحل المتعاونين؛ فقدمت عملاً يفتقد الحبكة المهنية في أغلب فتراتها.. لن أتخذ من أمريكا وأوروبا وأستراليا أمثلة أستند إليها في حجتي وكلامي.. أكتفي بما يحدث في مصر ولبنان والكويت والأردن.. العمل الصحفي في هذه البلدان ليس وظيفة إضافية تملأ وقت الفراغ وتزيد الدخل المالي.. الصحفي في مصر مثل الطبيب والمهندس والمحامي ورجل الأعمال.. هذا هو الخلل الكبير الذي لم ينتبه إليه أحد، أو أنهم انتبهوا وحاولوا التغيير، لكن العاصفة كانت أقوى؛ فاضطروا للانحناء أمام هبوبها ورياحها.. يحتل المتعاونون مساحة واسعة بين العاملين في الصحافة السعودية.. مدرسون وموظفون وعاملون في قطاعات مختلفة اتخذوا من الصحافة وسيلة لزيادة دخلهم الشهري.. توقيت عملها المسائي إضافة إلى طبيعة دورها المحترم والنافذ، جعلها فرصة لا تعوض وفريسة لذيذة لأولئك الباحثين عن المال ومآرب أخرى.. تغلغل المتعاونون في أدغال المهنة حتى صاروا جزءًا لا يمكن الاستغناء عنه.. تعاملت معهم المؤسسات الصحفية كما تتعامل شركات المقاولات مع عقود الباطن، بمعنى أنها لا تتحمل مصاريف وتكاليف العمالة.. المتعاون يؤدي عملاً ميدانيًّا أو مكتبيًّا مقابل ثمن بخس.. هذا جعل الصحف وإداراتها تضع المتعاون خيارًا مناسبًا مع التنازل عن مساحة كبيرة من الكفاءة والقدرة والاحتراف.. لا تصلح أن تكون الصحافة سلعة للبيع والشراء والمتاجرة.. ربما كان هذا أحد مسببات وجودها..
تجاهلت الصحف لسنوات أهمية التدريب والتطوير.. تركت العربة تمشي في طريقها بلا مراقبة جودة محركاتها وصيانتها وسبل الحفاظ عليها.. أساسًا ليس منطقيًّا أن تبذل جهدًا ومالاً لتدريب صحفيين متعاونين قد يرحلون إلى محطات منافسة دون سابق إنذار..
مدرس في الصباح ينشغل بتأهيل وتعليم أجيال المستقبل.. تستنفد الحصص الدراسية المتراكمة طاقته، ويلتهم الأطفال وفوضويتهم واندفاعهم حيويته وجهوده.. مثل هذا كيف يمكنه أن يصبح صحفيًّا في وظيفة ليلية تتطلب تركيزًا عاليًا وعقلاً حاضرًا.. المتعاونون لا يحملون الهم الصحفي كما هم المتفرغون.. على المجمل يتعاملون معها كالمسافر الذي يتزود من محطات الطريق بالوقود والمشروبات والمكسرات.. إذا أوصدت الصحافة أبوابها فهذا بالنسبة لهم جوقة المتعاونين مثل مباراة تنتهي بالتعادل السلبي.. هناك بالطبع متعاونون مبدعون لكنهم اختاروا العمل الحكومي، رافعين شعار الأمان الوظيفي.. التعاون في الصحافة مشكلة كبيرة على المهنة وحلول أكبر للصحف نفسها..
مثل المتعاونون دور المنقذ في صحف عديدة في ظل النقص العددي الهائل للصحفيين، لكنهم أيضًا ساهموا من حيث لا يعلمون في التراجع المستمر على المستوى الإبداعي.. إنها معادلة يشوبها التعقيد.. وخلاصة القول يمكن اختصارها بالمثل المصري الشائع “جيتك يا عبدالمعين تعين”.. أعانك الله أيتها الصحافة..!!