|


أحمد الحامد⁩
موسم وعطر ونسيان
2018-10-15
المواسم تشبه العطور، بعض العطور تستحضر لك إنسانًا وبعض المواسم تذكرك بمكان، بعض العطور إذا ما شممتها تنقلك إلى زمن آخر، لا يعني أن كل العطور الجميلة ذكرياتها سعيدة، غالباً جميلة لأنها ذكريات، الإنسان عادة ينسى الضغوط الماضية ويذكر أجمل ما كان فيها، تلك من نعم النسيان، سألت بعض الأصدقاء سؤالاً محدداً:
هل تفضل أن تكون لديك ذاكرة فوتوغرافية أم تفضل أن تكون لديك القدرة على نسيان ما تود نسيانه، كانت الأجوبة مختلفة، من يحبون العلم والبيزنس اختاروا الذاكرة الفوتوغرافية، يبدو أنهم يعانون من فشل سابق في المدرسة ومروا بخسائر مادية لا يودون نسيانها، أما الذين اختاروا المقدرة على نسيان ما يودون نسيانه، يبدو أن ألمهم كان أكبر من النسيان، بعض الظروف الصعبة يفضل ألا تنسى حتى تستطيع الابتعاد عنها دائماً وحتى لا تخطئ مرة على ألا تعيش ألمها حتى تستمع بحاضرك، أعود للعطور والمواسم، كل منا ارتبطت بعض العطور بذاكرته، الشعراء دائماً أسياد التقاط المواضيع، لطلال مداح أغنية شهيرة "ليلة تُمرين" يقول بها بدر بن عبد المحسن: ليلة تمرين عطرك السافر فضح ورد البساتين، في إشارة قوية إلى أن عطرها أجمل من عطر الورد للدرجة التي سببت فضيحة للورد! عبادي من كلمات نديم الشوق في أغنية العطر يغني: في يديني يصرخ عطر من آخر لقا، آه يا ريحة أحبابي، تغفى عليها الليلة أهدابي، المواسم أيضًا تشبه العطور، للمواسم نكهتها وذكرياتها ومواقفها، الربيع دائمًا يحضر لكن الشتاء الأكثر حضوراً، فيروز وحدها لم تفرق ولم تشعر لا بالزمان ولا المكان؛ فقالت لحبيبها حبيتك في الصيف، حبيتك في الشتي، نطرتك بالصيف نطرتك بالشتي، وعيونك الصيف وعيوني الشتي، في إشارة إلى أن حبيبها لم يبكِ من أجلها وكانت عيونه كالصيف بلا مطر، بينما عيونها باكية كمطر الشتاء، ما يحصل للإنسان من مواقف وأحداث لا تعرف المواسم ولا الأماكن، لكن التأثير في الباطن هو من يستحضرها بعد مدة من الزمن كلما سنحت فرصة ما، فتبدأ الذاكرة بفتح ملفات الأيام، مستشهدة بعطر، أو بمكان أو بموسم، أكتب لأنني اشتريت عطراً قديماً، جماله ليس بعطره فقط، بل بالمكان الذي يذكرني به، بعض الذكريات يجب أن تبقى، لأن أصحابها لا يستحقون النسيان.