|


صالح الخليف
أعيدوا صياغة الأسئلة
2018-11-08
هناك ملامح كثيرة تتعرف من خلالها على الصحفي اللماح والخطير.. أهمها وأولها الأسئلة التي يطرحها.. إذا أردت اختبار أي صحفي جديد؛ فليس أمامك إلا أن تضع أمامه ورقة بيضاء وتقول له اختر شخصية في خيالك واطرح عليها الأسئلة.. عن طريقها ستكتشف الرؤية واللغة وكيفية التعاطي مع المشهد..
كلما قرأت حوارًا صحفيًّا أتوقف عند الأسئلة وليس الإجابات.. من الأسئلة تعرف وعي الصحفي ومستواه وقدرته وإمكانياته.. الكاتب الفرنسي الشهير فولتير كان يقول: “أحكم على الشخص من خلال أسئلته وليس من خلال أجوبته”.. بالطبع فولتير يقصد الحياة بشكلها الأعم ولا يعني أبدًا الصحافة.. وليس المقصود أيضًا الأسئلة الجريئة أو المحرجة أو الحادة.. القصد في مستوى السؤال بشكل عام لغة وفكرة وأهمية.. المذيع الأكثر نجومية ونجاحًا هو في الأساس صحفي عملاق.. ما لم يكن صحفيًّا فسيتعامل مع الشاشة على أنها مجرد صوت وصورة بلا حياة.. نعرف المذيعين ومقدمي البرامج البارزين بأسئلتهم لا بأي شيء آخر.. الإجابات سهلة ومتاحة وليس هناك ما يجعلها معقدة وصعبة.. لكل سؤال جواب.. أي سؤال سيطرح عليك سترد عليه حتى لو أردت الهروب إلى الأمام.. في النهاية أنت مضطر للجواب.. الإجابة مثل الصوت والقصيدة.. أشياء موجودة بيننا.. الأسئلة هي اللحن.. أنت تستجلب العدم.. اللحن هو الأغنية.. الكلمات والأصوات المتناثرة أكثر من الهم على القلب.. الألحان هي التي تحتاج إلى الخيال الأخاذ الذي يتجاوز الحدود وطبقة الأوزون.. لذلك على ما يبدو كان وسيظل بليغ حمدي أسطوريًّا واستثنائيًّا حتى حين.. الصحفي الذي يتعامل مع الأسئلة على أنها أداء واجب هو حقيقة لم يقرأ المشهد بلغة واضحة.. يحتاج إلى إعادة النظر سريعًا حتى لا يكون مجرد ناقل لا يمكن احترام أدائه بما يكفي.. هناك إجابات نشرتها الصحافة وخلدتها في ذاكرتها المتسعة، لكن الأسئلة المبدعة ظلت وحدها ترقص مستأثرة بالضوء والاهتمام وعدسات المصورين وأضواء الليلة..
رفاقي وأصدقائي في هذه المهنة الصامدة.. أعيدوا صياغة أسئلتكم من جديد؛ فهي التي تدل على قيمتكم ومكانتكم ونجوميتكم..
أعيدوا صياغة أسئلتكم فهي عنوانكم الواضح والكبير..
أعيدوا صياغتها.. فولتير يقصدكم أنتم وحدكم.. إنني مضطر للتراجع عن كلامي..!!